ابراهيم كنعان: الموازنة تسحب الدماء من جثّة لبنان

ابراهيم كنعان: الموازنة تسحب الدماء من جثّة لبنان

في كلّ دول العالم تلجأ الحكومات إلى اعتماد موازنات هادفة ومتقشّفة، في حين يحاول مجلس النواب أن “يشطح” في زيادة النفقات من أجل إرضاء الناخبين… إلّا في لبنان: يحصل العكس.

في كلّ دول العالم تتهافت المجالس النيابية من أجل مراقبة عمل الحكومة، وخصوصاً من خلال الموازنات التي تُعتبر المجال الأفضل لمراقبة العمل الحكومي على مدى سنة مالية كاملة… إلّا في لبنان: حيث بحجّة “الأولويات”، يحصل العكس.

تقاعس بعض النواب والكتل النيابية عن حضور جلسات دراسة الموازنة أو جلسة إقرارها تحت حجج “أولوية انتخاب رئيس”، قد يحلّ كارثة على المواطنين اللبنانيين وعلى مالية الدولة، وذلك نتيجة “التخبيص” في مشروعِ موازنةٍ تقدّمت به الحكومة، التي يصفها رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان بأنّها “حكومة رفع العتب”، بعدما امتهنت “قذف المسؤولية” والتهرّب منها.

في إعدادها لمشروع قانون موازنة عام 2024، توحي الحكومة أنّها تتوخّى 3 أهداف، لكنّها في المقابل تقدّم موازنة بلا إصلاحات، ولا تقشّف، ولا رؤية اقتصادية على الرغم من الأزمة التي بات عمرها إلى اليوم أكثر من 4 سنوات.

تقول الحكومة أنّ أهداف الموازنة هي التالي:

1- استحداث ضرائب جديدة من أجل سدّ احتياجات الدولة.

2- خفض قيمة العجز المالي لإرضاء صندوق النقد الدولي ومنطق المالية العامّة.

3- الحفاظ على استقرار سعر صرف الدولار من أجل الاستمرار بتهدئة الشارع.

تناقضات الموازنة

هذا في الظاهر، لكن في الوقائع يكشف قانون الموازنة الذي تقدّمت به أنّ تلك الأهداف ليست بأهداف، بل هي جملة عناوين متضاربة لا يمكن جمعها كلّها في سلّة واحدة: فكيف يمكن مثلاً زيادة الضرائب ثمّ إرضاء الناس في آن؟ أو كيف للحكومة أن تخفّض الضرائب من جهة وتستمرّ بسداد الالتزامات نفسها بلا تقشّف أو سدّ هدر من جهة أخرى؟

كلّ هذا يجعل مهمّة الحكومة أمراً شاقّاً ومستحيلاً، وخصوصاً إذا ما قورنت بإصرار لجنة المال والموازنة على إلغاء بعض الموادّ وتعديل أخرى نتيجة عدم قانونيّتها، وكذلك من أجل تصويب الإنفاق بما يرضي القانون أوّلاً، ويرضي القواعد المالية ثانياً، والمواطنين ثالثاً.

في الشكل، يقول النائب إبراهيم كنعان لـ”أساس” عن تلك الموازنة، إنّ جلّ ما تحاول فعله هو “زيادة الضرائب من أجل رفع حجم الإيرادات”. ومن أجل تمرير ذلك يعتبر كنعان أنّ الحكومة تراهن على عدم قدرة لجنة المال والموازنة على الانتهاء من دراستها كاملة، أو على أنّ المجلس غير قادر على الالتئام لإقرارها معدّلة نتيجة الخلافات حول شكل المجلس الحالي (هيئة تشريعية/انتخابية)، فتُصدرها الحكومة من دون تعديل، وبمرسوم، بموجب المادّة 86 من الدستور.

أّمّا في المضمون فيؤكّد كنعان أنّ الموازنة حُبلى بالشوائب والمخالفات، وخالية من أيّ أهداف اقتصادية. فالموازنة بكلّ دول العالم هي العمل التشريعي الأهمّ، لأنّها تدخل في كلّ تفاصيل المواطنين: في المالية، والتربية والأجهزة الأمنيّة، والطبابة والسياحة. وبالتالي فإنّ النائب الذي يرفض دراسة الموازنة حريّ به أن يستقيل من المجلس، لأنّه بذلك يتخلّى عن أعظم صلاحية منحه إيّاها الدستور.

يؤكّد النائب المخضرم في شؤون المالية أنّ الفرصة الوحيدة لدراسة كلّ أداء الحكومة هي الموازنة، وبالتالي فمَن يعتبر من بين النواب والكتل أنّ تلك الفرصة “لزوم ما لا يلزم”، فما نفع نيابته؟

“وهم” تحرير سعر الصرف

يرى كنعان أنّ الأسلوب المالي الذي تعتمده الحكومة لن يخفّض العجز مثلما تدّعي. فالعجز لا يتراجع إذا رفعنا الضرائب، لأنّنا نتعامل فعليّاً مع اقتصاد مفلس ومنهار. الحكومة تُظهر دفترياً أنّها رفعت الإيرادات أو رفعت سعر الصرف، موحية أنّها اقتربت من تصفير العجز، لكنّ الواقع بخلاف ذلك تماماً.

أمّا عن ادّعاء توحيد سعر الصرف، فيعتبر كنعان أنّه طرحٌ واهٍ، فمشروع الموازنة يحتوي على أكثر من سعر صرف، بينما رؤية السعر “الموحّد والمحرّر” غير موجودة في الموازنة، ويؤكد أنّ رواتب القطاع العامّ محتسبة على سعر صرف، بينما استرداد الودائع محتسبة على سعر آخر، في حين أنّ الضرائب وبعض الرسوم محتسبة على 89 ألفاً… ويسأل: “أين توحيد سعر الصرف؟”.

من هذا المنطلق، يدعو كنعان إلى “إعادة النظر في الموازنة من منطلقات بنيوية وليس عبر تعديل أو تحديث أرقام بلا رؤية”، وإلّا أصبحت الموازنة في ظلّ الاقتصاد الحالي “كمن يسحب الدماء من جثّة”. وذلك بكلّ بساطة لأنّها “موازنة بلا هدف”.

موازنة بلا “رؤية اقتصاديّة”

يعطي كنعان مثالاً حول الموازنات الهادفة، فيقول لـ”أساس” إنّ أيّ موازنة لا بدّ لها أن تحمل رؤية اقتصادية واجتماعية، أو مشروعاً ما. مثلاً إذا أرادت الحكومة أن تطوّر قطاع الاتصالات، فلا بدّ أن تقرأ في موازنتها ما يعزّز هذا القطاع وينمّيه. وإذا أردت بناء قطاع نفطيّ أو تربويّ، فعليك أن تلمس في روحيّة موازنة الحكومة ما يصوّب البلاد اقتصادياً وتنموياً نحو هذا الهدف. لكنّ ذلك لا يحصل في الموازنة الحالية. “هي بلا أفق وبلا رؤية، ولا تخبرنا الحكومة من خلال تلك الموازنة ماذا تريد؟ فهي ليست موازنة إصلاحية على الإطلاق. بل موازنة هدفها جمع أكبر قدر من الإيرادات بأيّ طريقة… حتى عن طريق المخالفات وعلى حساب القانون والدستور”.

لكن ما هي هذه المخالفات؟

يكشف كنعان أنّ الحكومة الحالية وسائر الحكومات السابقة، تُصرّ على خرق الدستور، من خلال استحداث رسوم جديدة، وهذا أمر غير قانوني. ويضيف: “يمكن للحكومة أن تعدّل الرسوم في الموازنة. فهذا أمر مفهوم، لكن ليس استحداث رسوم جديدة بموجب قانون الموازنة، لأنّ الدستور واضح في هذا الخصوص”.

الرسوم والضرائب بحسب المادة 82 من الدستور يجب أن تُفرض بشكل مفصّل وواضح ومنفصل، وبالتالي لا يحقّ للحكومة تعديل القوانين الضريبية بواسطة قانون الموازنة. ولا يمكن إقرار ضرائب واستحداث رسوم جديدة من خلال مشروع قانون الموازنة الذي يُراد إقراره بصورة “عمياء” أمام السلطة التشريعية.

عن الأفق والحلول يؤكّد كنعان أنّ ثمّة طريقين للحلّ:

1- دراسة الموازنة بنداً بنداً وإقرارها معدّلة في جلسة عامة.

2- إسقاطها داخل مجلس النواب.

لأنّ تمريرها بموجب مرسوم كما تحاول الحكومة أن تفعل، سيكون كارثة. ثمّ يختم بالقول: “فليحضر النواب استثنائياً جلسة وليقرّوها معدّلة أو يسقطوها، لكن لا يجوز أن تُترك كما هي”.

عماد الشدياق – اساس ميديا

للانضمام الى مجموعتنا لسعر الصرف عبر الواتساب اضغط هنا

عن Jad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *