هل يدخل الرأسمال الأجنبي الى اليابان

فشلت اليابان، على مدى السنوات الماضية، في استقطاب رأس المال الأجنبي بسبب غياب الرغبة السياسية وتعدد العراقيل الهيكلية، وهو ما يشكل عائقا كبيرا أمام نموها الاقتصادي.

وفي تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، يقول الكاتب ريتشارد كاتز إن العديد من الدول أصبحت تعمل على استقطاب الشركات الأجنبية من خلال تسهيل إنشاء المرافق على أراضيها وشراء الشركات المحلية، وهي مشروعات تُعرف باسم الاستثمار الأجنبي المباشر، لكن طوكيو تقف بعيدة تماما عن هذا التوجه.

وتعتبر الصين المثال الأبرز على تطبيق هذه الإستراتيجية، لكن العديد من الدول الأخرى، مثل الهند ودول أوروبا الشرقية، تغري الشركات الأجنبية وتعمل على استقطاب الاستثمار الخارجي مما يعزز أداء الموردين المحليين والعملاء التجاريين وحتى المنافسين في بعض الأحيان.

وحسب الكاتب، رفضت اليابان تطبيق هذه الإستراتيجية، وعام 2019 صنف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) 196 دولة من حيث مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي، وصُنفت اليابان بالمركز الأخير خلف كوريا الشمالية.

وتتفوق اليابان في عدد قليل من القطاعات مثل صناعة السيارات، لكنها متخلفة في العديد من المجالات الأخرى، مثل التقنيات الرقمية التي أصبحت محورية بشكل متزايد في جميع القطاعات الاقتصادية.

وقد صنفت إحدى مؤسسات إدارة الأعمال 64 دولة حسب الفوائد الاقتصادية من الاستثمار في الرقمنة، واحتلت اليابان المركز الـ 53. ويُظهر ذلك بوضوح أن هذا البلد بحاجة إلى زيادة حجم الاستثمار الأجنبي المباشر لمعالجة حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها حاليا.

بيانات وأرقام مشوهة
وما يجعل تصنيف اليابان السيئ مثيرا للقلق -حسب الكاتب- أنه منذ نحو 20 عامًا، قامت الحكومة باعتماد الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي ضمن إستراتيجيات التنمية الاقتصادية.

فعندما تولى جونيشيرو كويزومي منصب رئيس الوزراء عام 2001، كان حجم الاستثمار الأجنبي المباشر لا يتجاوز نسبة 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمعدل 28% في الاقتصادات المتقدمة. وتعهد كويزومي أولاً بمضاعفة الاستثمار الأجنبي المباشر، ثم حدد عام 2006 هدفًا يتمثل في وصول الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2011.

وبحلول عام 2008، كان هناك تقدم ملحوظ، حيث ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 4%، ولكن سرعان ما توقف هذا الزخم، على الرغم من أن رئيس الوزراء شينزو آبي تعهد عام 2013 بمضاعفة الاستثمار الأجنبي المباشر.

وعام 2019، بلغت النسبة 4.4%، وهو أقل بكثير من المعدل في الدول المتقدمة، أي 44%.

ويرى الكاتب أن ما زاد من تفاقم الوضع أن الحكومة اليابانية تحاول إنكار فشلها، حيث أعلنت وزارة المالية أن الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد ارتفع إلى نحو 359 مليار دولار عام 2020، وبالتالي تم تحقيق هدف آبي بمضاعفة النسبة بداية من عام 2013، حيث كان حجم الاستثمارات حينها حوالي 215 مليار دولار وفقًا لصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و”الأونكتاد”.

ويعتقد أن طوكيو تستخدم مجموعة أرقام مضللة، حيث يوصي صندوق النقد الدولي باعتماد مقياس “مبدأ الاتجاه” في حين تسلط وزارة المالية اليابانية الضوء على مقياس آخر، وهو “مبدأ الأصول/ المسؤولية”، والذي يتضمن عناصر لا علاقة لها بالاستثمار الأجنبي المباشر الحقيقي.

توظف الشركات اليابانية المجمّعة، وعددها 26 ألف شركة أم و56 ألف شركة تابعة، 18 مليون موظف وعامل، أي ثلث إجمالي الموظفين في اليابان.

لماذا فشلت الجهود؟
يقول الكاتب إن الدول الأخرى شهدت ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر بمجرد تحولها من طرد الاستثمارات الأجنبية إلى استقطابها. وقفزت مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي في الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية من 2% أواخر التسعينيات إلى 14% حاليا.

كما ارتفعت الحصة بالهند من 0.5% عام 1990 إلى 14% حاليا. أما بالنسبة لـ 8 دول من الكتلة السوفياتية السابقة في أوروبا الشرقية، فقد ارتفعت النسبة من 7% إلى 55% بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وبحسب الكاتب، يرى الباحثان تاكيو هوشي وكوزو كيوتا أن أداء اليابان، لو تعاملت مع الاستثمارات الأجنبية مثل الدول الأخرى ذات الخصائص المتشابهة، لكانت قد بلغت نسبة 35% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2015.

وبرأيه، فإن العقبة الرئيسية أمام زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر باليابان هو أن الشركات الأجنبية تواجه مشاكل في شراء الشركات اليابانية. ففي أي اقتصاد متقدم، يتخذ 80% من الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي شكل عمليات اندماج وشراء، ولكن في اليابان تبلغ هذه النسبة 14% فقط.

ويمثل هذا العائق إرثا من الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، عندما قامت طوكيو بتقييد الاستثمار الأجنبي المباشر خوفًا من هيمنة الشركات الأجنبية.

وفي الستينيات، عندما اضطرت اليابان لإلغاء القيود من أجل الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ابتكرت الحكومة “إجراءات التحرير المضادة” لإنشاء عوائق غير مباشرة أمام عمليات الدمج والاستحواذ.

وقد فكك رئيس الوزراء السابق كويزومي بعض القيود القانونية أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، في معركة استمرت عامين مع المصالح المحلية، ورغم إزالة معظم العوائق، ما يزال نظام الشركات المجمّعة الياباني يمثل عقبة كبيرة.

وتوظف الشركات اليابانية المجمّعة، وعددها 26 ألف شركة أم و56 ألف شركة تابعة لها، 18 مليون موظف وعامل، أي ثلث إجمالي الموظفين في البلاد.

600 ألف شركة صغيرة ومتوسطة مربحة قد تضطر إلى الإغلاق بحلول عام 2025 لأن أصحابها سيتجاوزون 70 عامًا وليس لديهم من يخلفهم

وتملك مجموعة تويوتا على سبيل المثال، ألف شركة تابعة لها، و40 ألف مورد، غالبيتهم من المقاولين من الباطن.

وقد أكدت مسودة صدرت في 2020 عن مجلس تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، بأن عمليات الاندماج والاستحواذ الخارجية يمكن أن تساعد بشكل كبير في التعامل مع أزمة الخلافة في الشركات اليابانية الصغيرة والمتوسطة.

وأشار التقرير إلى أن 600 ألف شركة صغيرة ومتوسطة مربحة قد تضطر إلى الإغلاق بحلول عام 2025 لأن أصحابها سيتجاوزون 70 عامًا وليس لديهم من يخلفهم.

وكجزء من الجهود المبذولة لمنع هذه الكارثة، دعا التقرير إلى اعتماد بعض الآليات لمساعدة هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة في العثور على شركاء أجانب و”تسهيل نقل الأعمال بين أطراف ثالثة”.

لكن وثيقة أصدرها مكتب مجلس الوزراء، في حزيران الماضي، ألغت أي إمكانية لتسهيل عمليات الاندماج والاستحواذ الأجنبية، ومن الواضح أن هناك من يعتقد أن شراء الأجانب للشركات اليابانية أكثر خطورة من فقدان آلاف الوظائف.
دوافع التغيير
الدافع الأول للتغيير -حسب الكاتب- هو بعض القوى الجديدة التي توفر إمكانية للتغيير الجذري. وقد لاح ذلك جليا من خلال التجربة السابقة للمدير التنفيذي اللبناني كارلوس غصن الذي أصبح بطلاً شعبياً بعد أن أنقذ شركة نيسان، حينما استحوذت رينو الفرنسية على حصة كبيرة من ملكيتها.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن عددًا متزايدا من اليابانيين يرون تأثيرا إيجابيا للشركات الأجنبية في البلاد. ورغم أن اتحاد “كيدانرين” (…) لرجال الأعمال مازال يقاوم عمليات الاندماج والاستحواذ الأجنبية، إلا أن مجموعة من المديرين التنفيذيين يُطلق عليها “كيزاي دويوكاي” تدعم هذا التوجه.

ويتمثل الدافع الثاني في أن بيع الشركات للمستثمرين الأجانب يعتبر حلا جيدا لأزمة الخلافة في الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وتظهر الدراسات أن الشركات الصغيرة والمتوسطة من المرجح أن تفتح المجال لعمليات الاستحواذ من شركات أجنبية، إذا رأت أن الشركات الأخرى فعلت ذلك بنجاح.

أما الدافع الثالث فهو التوجه الحكومي نحو إصلاح الشركات، كما يتضح من خلال قانون الإشراف لعام 2014 الصادر عن وكالة الخدمات المالية، وقانون حوكمة الشركات لعام 2015، والذي اعتمدته بورصة طوكيو استجابةً لضغوط الحكومة.

ويعتقد المسؤولون في غرفة التجارة الأميركية باليابان، والذين اقترحوا قانون حوكمة الشركات، أنه في الوقت الذي تواجه فيه الشركات الكبرى ضغوطًا لزيادة الربحية، فإنها ستركز بشكل متزايد على الكفاءات الأساسية، وبالتالي فإن هذه الشركات ستتجه نحو بيع الأقسام غير الأساسية، وهو ما سيساعد على نمو الاقتصاد الياباني ويزيد من عدد الشركات المتاحة للشراء للمستثمرين الأجانب.

لكن الكاتب يرى أنه بغض النظر عن تأثير هذه الدوافع، فإن القفزة في الاستثمار الأجنبي المباشر لن تحدث إلا بعد تنسيق الجهود بين الحكومة ورجال الأعمال لتعزيز عمليات الاندماج والاستحواذ الأجنبية، وإلا فإن اليابان ستبقى في ذيل تصنيفات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وسيظل نموها الاقتصادي بطيئا.

(الجزيرة)
المصدر: أ.ف.ب – الجزيرة

Ads Here

عن Majd Jamous

شاهد أيضاً

سعر الذهب اليوم، أسعار الذهب، توقعات أسعار الذهب، تحليل الذهب اليوم، سعر جرام الذهب، أسعار الذهب في السوق، تداول الذهب، استثمار الذهب، سعر الذهب في مصر، سعر الذهب في السعودية، سعر الذهب في الخليج، أخبار الذهب، الذهب مقابل الدولار، أسعار الذهب العالمية، أسعار الذهب الفورية، شراء الذهب، بيع الذهب، سعر الذهب عيار 21، سعر الذهب عيار 24، سعر الذهب اليوم في البورصة، أسعار الذهب في الأسواق العالمية، استراتيجيات الاستثمار في الذهب، تحليل أسعار الذهب، أسعار الذهب في البورصة العالمية، مؤشر أسعار الذهب، توقعات الذهب، الذهب في السوق العالمية، أسباب ارتفاع أسعار الذهب، استقرار أسعار الذهب، سعر الذهب في السوق اليوم، الذهب عيار 18، أسعار الذهب والفضة، تجارة الذهب، الذهب الملاذ الآمن، شراء الذهب عبر الإنترنت، سعر الأونصة الذهب، أسعار الذهب في محلات الصاغة، أسعار الذهب في البورصة المصرية، تحليل فني لسعر الذهب، اتجاهات أسعار الذهب، سعر الذهب في دبي، سعر الذهب في الكويت، توقعات أسعار الذهب في 2024، أسباب انخفاض سعر الذهب، العوامل المؤثرة على أسعار الذهب، تداول الذهب عبر الإنترنت، سوق الذهب اليوم، الذهب عيار 14، أسعار الذهب التاريخية، أسعار الذهب اليوم بالدولار، تحليل أسواق الذهب، شراء الذهب كاستثمار، أفضل وقت لشراء الذهب، توقعات الذهب المستقبلية، أسعار سبائك الذهب، سعر كيلو الذهب، سعر الذهب في لندن، أخبار أسعار الذهب، اتجاه الذهب اليوم، أسعار الذهب في الهند، توقعات أسعار الذهب العالمية، أفضل شركات تداول الذهب، تداول الذهب في البورصة، التداول الإلكتروني للذهب، سعر الذهب في السوق السوداء، أسعار الذهب في محلات المجوهرات، التغيرات في أسعار الذهب، استراتيجيات تداول الذهب، سعر الذهب عيار 22، مستقبل سعر الذهب، أسعار الذهب اليوم في مصر، أسعار الذهب في الشرق الأوسط، مؤشرات أسعار الذهب، شراء الذهب في الخليج، سعر الذهب في السوق العالمية، اتجاه أسعار الذهب، تحديث أسعار الذهب اليوم، توقعات الذهب في 2024، استثمار الذهب في البنوك، سعر الذهب في السوق السعودية، سعر الذهب في مصر الآن، أسعار الذهب في الصين، الذهب والاقتصاد العالمي، تحليل سوق الذهب العالمي، استثمار الذهب في البورصة، سعر الذهب في الأسواق الناشئة، أسعار الذهب في قطر، سعر الذهب اليوم في الأردن، توقعات أسعار الذهب اليومية، سعر الذهب في السوق المصرية، أسعار الذهب في الأسواق الخليجية، سعر الذهب اليوم في الجزائر، تجارة الذهب في الشرق الأوسط، سعر الذهب اليوم في الإمارات، سعر الذهب في السوق العمانية، تحديثات سوق الذهب، التحليل الفني للذهب، سعر الذهب في السوق العراقية، تأثير أسعار الذهب على الاقتصاد، سعر الذهب اليوم في السوق السوداء، gold price today، gold prices، gold price forecast، gold analysis، gold investment، gold trading، current gold price، gold rate، gold price in USA، gold market، gold price per gram، buy gold online، sell gold، gold price per ounce، gold price per kilo، gold futures، gold ETF، gold price news، gold price live، gold price in Europe، gold price prediction، gold rate today، best gold investment، gold market trends، gold price historical، gold spot price، gold price updates، gold bullion price، gold vs dollar، gold price in Asia، global gold prices، gold market analysis، gold investment strategies، online gold trading، gold price in Middle East، future of gold prices، gold price in London، gold price trends، gold market updates، gold price in the stock market، gold price in China، impact of gold prices on the economy، gold price in emerging markets، global gold market، gold price fluctuations، gold price predictions 2024، gold price in UAE، gold price in India، gold price today USA، investing in gold ETFs، physical gold investment، trading gold futures، price of gold per gram today، buy gold as an investment، current price of gold per gram، buy gold bars، gold price chart، gold market price، gold price in Saudi Arabia، gold price in Dubai، price of gold in GCC، global impact of gold prices، real-time gold prices

الذهب يرتفع مع تراجع الدولار وتهديد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على الصلب والألمنيوم

الذهب يرتفع مع تراجع الدولار وتهديد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على الصلب والألمنيوم ارتفعت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *