623ebc2d af9f 4301 8ad0 732fb2babd42 780x470 1
623ebc2d af9f 4301 8ad0 732fb2babd42 780x470 1

«الدّوْلرة» وخطوات خسارة الوجود الوطني

كتب د. وجيه فانوس في ” اللواء”:

ليس من المُفترض أنْ يكونَ الحديثُ عن المأساةِ التي تؤدّي إلى «دَوْلَرَة» النّقدِ الوطنيّ في لبنان، مُفاجِئًا لأيّ أحدٍ. إنّ من ينظر، بواقعيّةٍ وعملانيّةٍ، إلى أمور العيش اليوميّ في هذا البلد الذي تضاءلت قوّته الانتاجيّة، إلى درجةٍ تكاد تكون غير منظورةٍ فعلِيًّا؛ لا يمكنه سوى الإقرار العمليّ، بالتّلاشي الفعليّ لقيمة النّقد الوطنيّ فيه.

تراجعت قوّةُ الدّولةِ اللّبنانيّة، في المرحلةِ المُنصرِمَةِ، عن تقديم أيّ دعمٍ فعليّ لأيّ انتاج اقتصاديّ محليّ؛ وصار الاستهلاك اليوميّ للمواطنِ يعتمد، في غالبيّته، إن لم يكن بكليّته، على ما هو مُسْتَوْرَدٌ من الخارج؛ أكان هذا المُسْتَوْرَدُ موادًا أوليّةً أو كان منتجًا جاهزًا للاستهلاك. ولمّا كان هذا الاستيرادُ لا يحظى بأيّ ضمانة عمليّة أو تغطية فعليّة من النّقد الوطنيّ؛ فقد بات من الضّروريّ، الذي لا جدال فيه أو تراخٍ في اعتماده، أن ينتج عن هذا الاستيراد، خسارة متنامية لقيمة النّقد الوطنيّ؛ إذ لا بدّ له، في هذه الحال، مِن ضمانٍ مِن خارج النّقد الوطنيّ. هكذا تَسْقُطُ قيمة اللّيرة اللّبنانيّة، في الدّاخل كما في الخارج؛ وهكذا تفرض «الدّولرة» وجودها على الجميع.
يكاد يكون ثمّة إجماعٌ، بين المراقبين المحلييّن والخبراء الدّوليّين، وحتّى بين غالبيّة الشّعب اللّبناني، على أنّ سنواتٍ مديدةٍ مِن سوء الإدارة والمحاسبة الماليّة والاقتصاديّة والفساد العام، هي من أبرز عوامل وجود هذه الأزمة الوطنيّة الكبرى، وغير المسبوقة، في التّاريخ الحديث للبنان. وثمّة من يرى أنّ من بين الأسباب الأخرى الفاعلة في وجود هذه الأزمة، ما يتعرّض له البلد، راهنًا، من حصار ماليّ اقتصاديّ خفيّ؛ جرّاء مساعٍ دوليّةٍ متباينةٍ لإخضاعه لتوجّهٍ سياسيٍّ أو آخر. ومن هنا، فليس الأمر مجرّد عجزٍ نتيجة وَهَنٍ اقتصاديٍّ عاديٍّ، بقدر ما أنّ الموضوع برمّته يرتبط ببُعدٍ إداريٍّ ومحاسبيٍّ داخليٍّ؛ وآخر ٍتقع مسؤوليّته على عاتق تجاذبٍ دوليٍّ بين قوى متصارعةٍ في ما بينها.
حصل مؤخّرًا، ما قد يكونُ من بابِ المحاولاتِ المكروهةِ، التي لا بُدّ منها لتيسيرِ بعض شؤون الوضعِ المعيشيّ الرّاهنِ  للمواطنين؛ غير أنّها ستبقى، رغم ما قد تؤمّنه من فائدةٍ آنِيّةٍ محدودةٍ، من المحاولاتِ التي تقودُ، إذا ما طال أمدُ اعتمادِها، إلى ما يُعتبر تعميّةً غير بريئةٍ، على الإطلاق، لطبيعةِ هذه الأزمةِ، ولتقديم أيِّ معالجة موضوعيّة علميّة للعوامل الفاعلة فيها. ولا يمكن، تاليًا، استبعاد خلفيّةٍ، غير وطنيّةِ الرّؤيةِ، تقف وراء هذه التّعمية؛  كما تقف خلف استغلال الوضع النّقدي لصالحِ أمرٍ مريبٍ.
 يتجلّى هذا الحالُ بِسَعيِ بعضِ المؤسّساتِ العاملةِ في البلد، مُؤخّرًا، وبصورةٍ لافتةٍ، إلى تأمين قسم مِن مرتّبات العاملين فيها، جرّاء هذا السّقوط العمليّ للّيرة، وبتغطيةٍ جزئيّةٍ للأمرِ؛ بدفع نِسَبٍ معيّنةٍ من هذه المرتّبات بالدّولار الأميركيّ. ويبدو أنّ إدارةَ «المَصرِفِ المَركَزِيّ» بدأت، بدورها، تجربةً ما ضمن هذا السّياق؛ إذ أصدرت، مؤخّرًا، قرارًا يقضي بإمكانيّةِ تحويلِ الموظّفين والمتقاعدين، لمرتبّاتهم ومعاشاتهم من اللّيرة اللّبنانيّةِ، إلى الدّولار، خلال شهر كانون الثّاني (يناير) من سنة ٢٠٢٢.
 إذا ما كانَ مِن مفاهيمِ النّقدِ الوطنيّ، أنّه الوسيلة السّائدة في البلد، للتّبادل في مجالاتِ شراءِ السِّلَعِ وبَيْعِ الخَدَماتِ؛ فإنّه، في أساسهِ، محصّلةُ مناقصةٍ قانونيّةٍ، يُصدِرُها «المَصرِفُ المَرْكَزِيُّ»، يتمّ عَبْرَها تثمينُ قيمِة اللّيرةِ اللّبنانيّةِ بالدّولارِ الأميركيّ، بما يحفظ سيطرةً وطنيّةً للدّولةِ اللّبنانيّةِ على مساراتٍ للاقتصادِ الوطنيّ.
 إنّ فقدان «المَصرِفِ المَركَزِيِّ» لهذه الفاعليّةِ في تثمينه اللّيرةَ، جرّاء انعدام الوجودِ العمليّ لها، يعني فقدانَ السّيطرةِ الوطنيّةِ على مساراتِ مِن الاقتصاد الوطنيّ؛ وهذا لا يمكن إلاّ أن يعني ارتهانَ الاقتصادِ الوطنيّ لخارجٍ ما؛ الأمرُ الذي لا يُمكن أنْ يقودَ سوى إلى الارتهانِ الكُليّ لهذا الخارج، وفاقًا لمصالح هذا الخارج الاقتصاديّةِ والسّياسيّةِ والثّقافيّةِ، وكلّ ما هو في هذا المجال.
 بدأت تَظْهَرُ، جرّاء اعتمادِ هذه «الدَّوْلَرَةِ» في لبنان، إرهاصاتُ وجودٍ حادٍّ لفئتينِ مِنَ اللّبنانيين؛ «المتمكّنون» مِنْ استخدامِ الدّولار، بِحُكْمِ ما يُحَصّلُونَهُ مِن مداخيل بالعملة الأجنبيّة؛ و«العاجزون» عن استخدامِ الدّولار، بِحُكْمِ انحصارِ مداخيلهم باللّيرة. تَنْعَمُ الفئة «الدّولاريّة» اليوم بحياةٍ موسرةٍ، بل مرفّهةٍ، نتيجة إمكانيّاتها النّقديّةِ؛ في حين تأسى الفئةُ الثّانيةُ بانحدارٍ متنامٍ لها في مهاوي الحرمانِ والبؤسِ والعجزِ، وربّما يصلُ بها الأمر إلى التّلاشي الكُليّ، انتحارًا أو هجرةً أو نكوصًا لا نهوضَ بعده.
 سيكونُ ناسُ الفئةِ الأولى، إن شاؤوا أو إن أبوا، مرتبطينَ عضويًّا بمساراتِ الاقتصادِ والسّياسةِ، التي تُديرُ شؤونَ الدّولار الذي يعيشونَ به؛ ولا ضمانَ على الإطلاقِ، لأيّ أحدٍ، مِنْ أن تكون هذه المسارتُ متناسبةً فعلًا مع ما يُمكن اعتبارهُ وطنيًّا البتَة. إنّ الخطوةَ الأولى باتّجاه «الدَّوْلَرَةِ»، لا يُمكن إلّا أن تؤكّدَ، بكلِّ وضوحٍ وسُطوعِ بيانٍ، أنّها خطوةٌ سريعةٌ وواثقةٌ باتّجاهِ خسارةِ البلدِ لِمَناحٍ مِن وجودهِ الوطنيّ.
لنْ يُمكنُ، تاليًا، «للدَّوْلَرَةِ» أن تكونَ حلّاً حقيقيًّا للأزمةِ الوطنيّةِ الكُبرى، التي يعيشُها لبنان؛ بل هي، حلٌّ إذا ما طال زمنه، صار سيعني الحُكْمُ بإعدامٍ للُبنان وطنيًّا. إنّ الخلاصَ مِن الأزمةِ الوطنيّةِ الكُبرى للبنان، يكونُ، وبكلّ بساطةٍ ووضوحٍ وجُرأةٍ ومباشرةٍ، في معالجةِ أحد أبرز أسبابها الواقعيّة؛ أملا في أن توفّر هذه المعالجةُ تزويدَ البلد بقوّةٍ نهوضٍ فاعلةٍ تُساهم في تحرّرٍ معقولٍ له من الضّغوط الخفيّة للتّصارعِ الدّولي على نَقْدِهِ واقتصادهِ الوطنيّين.
 بإمكانِ اللّبنانيّين، اليوم، وبكلّ مباشرةٍ، العملَ على اعتمادٍ واضحٍ وصريحٍ وصادقٍ ، ومن دونِ أيّ دَجَلٍ أو خِداعٍ، للقانونِ العامِّ للمحاسبةِ الإداريّةِ والماليّةِ الحاليّ للبلد؛ وكذلك العمل على نشر ثقافةٍ انتخابيّةٍ نيابيّةٍ تؤكّدُ للمواطن، أيًّا كانت طائفتُه وأيًّا كان توجُّهه السّياسيّ، أنّ له الحقّ، عبر مواطنيّته وحدها، في خيرات البلد وأموال البلد ورسم السّياسة الوطنيّة للبلد. يمكن ضمن هذا الوعي، محاسبةَ كلّ مسؤولٍ، واسترجاع كلّ منهوبٍ والتّخلّص من كلّ فسادٍ وتحصيل كلّ حقٍّ؛ والوقوف، من ثمّ، على قدمين ثابتتين لبناءِ اقتصادٍ وطنيٍّ مُنْتِجٍ أكثر منه استهلاكيّ، لا ينقص البلدُ شيئًا فعليًّا مِن مقوّمات العمل عليه، والنّجاح الفعليّ في هذا العمل؛ وإعادة إلى اللّيرة اللّبنانيّةِ قوّتها ومصداقيّتها وفوائد الثّقة الوطنيّة والخارجيّة فيها وفي أهلها ولبنانها؛ والمساعدة الوطنيّة للّبنان ليكون قادرًا على مواجهة الصّراعات الدّوليّة السّاعية إلى أيِّ افتِئاتٍ على جوهرِ هُوِيّةِ وجودِهِ.

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية،سعر صرف الدولار في لبنان, Dollar exchange rate in Lebanon, سعر الدولار اليوم في لبنان, Today's dollar rate in Lebanon, أسعار الدولار في السوق السوداء, Black market dollar rate in Lebanon, سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء, Today's black market dollar exchange rate in Lebanon, سعر الدولار الرسمي في لبنان, Official dollar rate in Lebanon, توقعات سعر الدولار في لبنان, Dollar price forecast in Lebanon, سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية, Dollar to Lebanese pound exchange rate, أسعار الدولار في لبنان لحظة بلحظة, Dollar rates in Lebanon live updates, سعر الدولار المصرفي في لبنان, Bank dollar rate in Lebanon, الدولار مقابل الليرة اللبنانية السوق السوداء, Dollar to Lebanese pound black market rate, سعر الدولار الآن في لبنان, Current dollar rate in Lebanon, تحويل الدولار إلى الليرة اللبنانية, Convert dollar to Lebanese pound, تأثير سعر الدولار على الاقتصاد اللبناني, Impact of dollar rate on the Lebanese economy, سعر الدولار في الصرافين, Dollar rate at money exchangers in Lebanon, استقرار سعر الدولار في لبنان, Stability of dollar rate in Lebanon, ارتفاع سعر الدولار في لبنان, Dollar rate hike in Lebanon, سعر صرف الدولار لحظة بلحظة, Live dollar exchange rate in Lebanon, تغيير سعر صرف الدولار في لبنان, Dollar exchange rate fluctuations in Lebanon, الدولار الجمركي في لبنان, Custom dollar rate in Lebanon, السوق الموازية لسعر الدولار في لبنان, Parallel market dollar rate in Lebanon, سعر الدولار المصرفي الرسمي, Official bank dollar rate in Lebanon, شراء الدولار في لبنان, Buying dollar in Lebanon, بيع الدولار في لبنان, Selling dollar in Lebanon, تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار, Convert Lebanese pound to dollar, سعر الدولار على منصة صيرفة, Dollar rate on Sayrafa platform, توقعات السوق السوداء للدولار في لبنان, Black market dollar forecast in Lebanon, أفضل سعر للدولار في لبنان, Best dollar rate in Lebanon, أخبار سعر الدولار في لبنان, Dollar rate news in Lebanon, سعر صرف الدولار اليوم في البنوك اللبنانية, Today's dollar exchange rate in Lebanese banks, سعر الدولار مقابل اليورو في لبنان, Dollar to euro rate in Lebanon

تحديث سعر صرف الدولار اليوم

سعر صرف الدولار الآن اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للدولار في السوق السوداء لمتابعة التحديث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *