لماذا لم تنخفض أسعار السلع رغم تراجع الدولار؟

لماذا لم تنخفض أسعار السلع رغم تراجع الدولار؟

بينما يتابع الدولار انخفاضه البطيء واستقراره الهش، لا تزال معظم المصالح التجارية تسعّر بضائعها وخدماتها وفق دولار المئة ألف ليرة، ما يراكم أرباحا فوق أرباحها من جهة، ويزيد من خسائر المستهلك من جهة أخرى، لا سيّما “مواطن الليرة”.

إذا، أمران يشهدهما السوق اليوم: شبه استقرار في سعر صرف الدولار، وإصرار على تعامل التجار بدولار المئة ألف ليرة، فما الأسباب والتبعات وسبل المواجهة؟

حول سبب انخفاض الدولار، وما إذا كان سيقابله ارتفاع كما يشاع اليوم، يشرح الباحث الاقتصادي وخبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي لـ “الديار” أنّ سبب الاستقرار الذي نشهده اليوم في سوق القطع بالعملة الأجنبية، يعود الى السياسة النقدية التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، فقد شهدنا سابقا فترة استقرار للدولار وفق سعر 40 – 42 ألف ليرة، إلى أن حدثت اضطرابات في سعر الصرف نتيجة إقرار الموازنة العامة للعام 2022، ليعود ويستقّر مجدّدا على سعر 90 -91 ألف ليرة، نتيجة التأقلم مع زيادة الإنفاق الذي أقرّته الموازنة المذكورة، والإجراء الذي اتخذه الحاكم السابق حينذاك، بحيث أمّن كتلة نقدية بالدولار مقابل الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، التي تحتاج اليها الدولة لتغطية النفقات والمصاريف التشغيلية من رواتب وأجور وغيرها، ما خفّف من الضغوطات التضخّمية التي يمكن أن تنتج من تمويل النفقات بطباعة العملة، فالدولة اليوم غير قادرة على الاستدانة، وقدرتها على تحصيل إيرادات من الضرائب والرسوم ضعيفة جدا.

حين أقرّت الموازنة العامة للعام 2022، تضمّنت نفقات إضافية من دون تأمين الإيرادات، ما ولّد وفق فحيلي “صدمة” سلبية في سوق النقد، وهناك احتمال كبير أن تعود إذا تمّ إقرار الموازنة العامة للعام 2023 بنفقات إضافية استثنائية من دون تأمين الإيرادات، داعيا للاهتمام بالإيرادات قبل إقرار الموازنةومناقشتها، لأنّه في حال تمّ إقرار نفقات إضافية والإيرادات غير مؤمنة، فهذا يعني اللجوء إلى طباعة العملة، فيما لو تأمنت كتلة نقدية بالدولار مقابل بحجم الكتلة النقدية بالليرة التي تحتاج اليها الدولة، لن يكون هناك ضغوطات على سعر الصرف بالسوق الموازي وسيبقى الدولار مستقرا، ويضيف: قناعتي أن الأمور ستبقى على ما هي… بانتظار ما قد يحدث لجهة إقرار الموازنة العامة للعام 2023 وتفاصيلها.

ويرى فحيلي أنّ الطريقة التي يتعاطى بها التجّار اليوم مع تدّني سعر صرف الدولار، فيها الكثير من الحذر، فهم لا يخفّضون الأسعار بالنسبة نفسها التي ينخفض فيها الدولار، بحجة الخوف من ارتفاع السعر مجددا، فالمستهلك الذي يدفع فاتورة الاستهلاك بالدولار، لا يشعر بالفرق كثيرا كالذي يدفعها بالليرة، فمثلا في الوقت الذي يسجّل فيه سعر صرف الدولار 89 ألف ليرة، تحتسبه معظم المحلات التجارية وفق سعر 95 أو 100 ألف ليرة، والمشكلة قد تحصل بحسب حجم الفاتورة، فمثلا إذا احتسب الدولار على 100 ألف ليرة، وبلغ حجم الفاتورة 100 دولار، سيكون الفارق كبيرا ما قد يحدث مشكلة بين المستهلك وصاحب المتجر، بينما إذا بلغت الفاتورة 5 دولارات مثلا، ربّما يمرّ الأمر بشكل عادي.

أين وزارة الاقتصاد ونقابة أصحاب “السوبرماركات”؟

يعيد فحيلي سبب هذا التفلّت إلى غياب الرقابة من قبل السلطات المختصّة، أي وزارة الاقتصاد ونقابة أصحاب “السوبرماركات”، إضافة إلى غياب المناقبية المهنية لدى التجّار، الذين يسعون إلى مراكمة أرباح استثنائية واستغلال غياب الرقابة على أدائهم وطريقة تسعيرهم للمواد الإستهلاكية، وما من تفسير آخر لهذه الفوضى التي نشهدها على الساحة الاستهلاكية سواء في “السوبرمركارت” أو بينها وبين تجّار الجملة، لافتا إلى أنّ هؤلاء وبسبب خوفهم من أن يعاود الدولار ارتفاعه بطريقة جنونية، يفرضون دفع الفواتير بالدولار أو يرفعونها بالليرة، لتأمين هامش ربح وحماية أنفسهم بـ “خط الرجعة”، فيعتمدون سعر صرف أعلى من السعر المتداول في السوق، عطفا على غياب الرقابة في تعامل المصارف مع زبائنها، ما يشجع الاستنسابية والزبائنية المصرفية.

ويؤكد فحيلي أنّه في الأشهر والأسابيع المقبلة سيبقى سعر الصرف مستقرا إلى حين إقرار الموازنة العامة للعام 2023، متحسبا أن تسير باتجاه إقرار نفقات إضافية استثنائية من دون أن تكون الإيرادات متوافرة، ومتوقعا أن تؤثر كيفيّة تغطية هذه النفقات في سعر الصرف في السوق الموازية، ومتسائلا كيف ستغطيها الدولة؟ هل ستضرب بيد من حديد لجهة تحصيل الايرادات والتوقف عن تجميد الإعفاءات الضريبية والاستنسابية التي ولدت من رحم الفساد؟ وتمنى على الدولة أن تبعث برسائل طمأنة للمواطنين بأنّها ستباشر الإصلاحات، التي يمكن ألّا تكون بوتيرة سريعة لكنها تسير بالحدّ الأدنى بالاتجاه الصحيح في هذه الموازنة، وتمهد للتوجه الصحيح في موازنة 2024، ما سيكون له تداعيات إيجابية جدا على سوق النقد.

تحت عنوان: “الدولرة بالارقام: مزيد من التضخم والفقر”، أصدرت جمعية المستهلك في شهر أيّار من هذا العام، بيانا أكّدت فيه أنّ الاكثرية الساحقة من أسعار السلع الاساسية عادت إلى أعلى مستوياتها بفعل “الدولرة” التي أقرّتها الحكومة، وفي مقارنة أجرتها بين أسعار شهري شباط و أيّار لـ 145 سلعة وخدمة، تبيّن لها ارتفاع معدلاتها بحدود 150.57%.

وفي حديثها لـ “الديار”، تؤكّد ّ نائبة رئيس “جمعية المستهلك” الدكتورة ندى نعمة أنّ الدولرة ليست الحل، وأنّها أوجدت لحماية التجّار وليس المستهلكين، وأدّت الى ارتفاعات كبيرة منذ إقرارها، وسادت الفوضى في السوق، فهناك من يسعّر الدولار وفق 100 ألف ليرة، وهذا ينافي القانون، لانّه يجب أن يلتزم بالتسعيرة كما يقول القرار، ويضع في السوبرماركات قيمة السعر اليومي، ويلتزم بالفاتورة وفق هذا المبدأ، ولكن ذلك لا يحصل، لافتة إلى أنّ الفوضى هي سيّدة الموقف بكل شيء في لبنان لا سيّما في موضوع التسعير.

ورأت أنّه ما دام ليس هناك خطط، ومراقبة ومحاسبة وتحديد هوامش أرباح (بججة الاقتصاد الحرّ)، أو منافسة بل احتكارات، فحتما ستكون هذه هي النتيجة، وستستمر الأسعار في الارتفاع ولن تقف عند هامش معين. وأنّه إذا لم يتم وضع خطة لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وتحفيز القوانين وإلغاء الاحتكارات ضمن سلّة واحدة فلن يتحسن الوضع، وسيبقى هناك من يستفيد من الاقتصاد، وهناك من “يفقر” والضحية الدائمة هي المواطن اللبناني، وخصوصا من راتبه بالليرة اللبنانيّة.

خلاصة القول… في ظلّ رقابة رسمية هزيلة، ورقابة ذاتية معدومة، تأتي الدولرة بمفعول عكسي، فأسعار السلع ترتفع بالدولار، وهامش الربح يرتفع ويسعّر بالدولار أو بـ 100 ألف ليرة، وأصحاب المصالح يفرضون شروطهم على المستهلك، إما أن تدفع بالدولار أو وفق دولارهم، والدولة لا تزال “ترقّع” خوفا من انفجار دولاري، أو لنفرض كي تحمي ما تبقى من قيمة عملتها… والله يعين ما تبقى من المواطن!

المصدر: يمنى المقداد- الديار

عن Jad Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية

تعميم 1000 دولار يدخل حيز التنفيذ: الصيارفة يواجهون تحديات تطبيق “اعرف عميلك” وتحديث البرامج

مقدمة: تطبيق تعميم مصرف لبنان على المؤسسات المالية غير المصرفية دخل تعميم مصرف لبنان (BdL) …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *