بالارقام: أسعار نار وارتفاع مجنون بين الصيف الماضي وهذا الصيف

بالارقام: أسعار نار وارتفاع مجنون بين الصيف الماضي وهذا الصيف

في المحلات كما في التقارير الأسبوعية لأسعار سلة الغذاء التي تصدرها وزارة الاقتصاد والتجارة يتبين بشكل واضح الارتفاع المتواصل في أسعار الخضار والفاكهة رغم تراجع ضئيل لبعض الأصناف كونها في عزّ موسمها… ومن يلقي نظرة على معدلات أسعار السنة الماضية في الفترة الزمنية ذاتها يصاب بحالة حادة من الكآبة واليأس ويدرك مدى التضخم الذي أصاب أساسيات لقمة عيش المواطن. لكن كيف يتعامل تجار الخضار والفاكهة مع هذا الارتفاع في الأسعار وإلامَ يردون أسبابه؟

حين تسأل أي بائع خضار في الحي عن سبب ارتفاع سعر البصل مثلاً او ربطة النعناع يكون جوابه جاهزاً: راسمالها علينا هالقد…اسألي التجار في سوق الخضار! لكن الإجابة المعلبة لا تلغي مسؤولية البائعين الصغار الذين يسعر كل منهم على ذوقه وحسب زبائنه وأيضاً وفق جشعه ورغبته بالربح. وبين المحلات الشعبية والمحلات الراقية تتفاوت الأسعار بشكل كبير حتى بالنسبة للنوعية ذاتها. بعضهم أتقن اللعبة وحول محل بيع الخضار والفاكهة الى متجر راقي الملامح يعرض منتجاته بجمالية لافتة متقنة فيجتذب العين قبل الجيب. أسماء محال الخضار المعروفة باتت توازي في شهرتها المولات الكبرى في بيروت، وقد افتتحت أكثر من فرع لها في نقاط بيع استراتيجية وصارت تجتذب الزبائن حتى من أبعد المناطق.

عروضات مختلفة تقدمها هذه المحال، بعضها يكاد لا يُصدق، تخفيضات في أسعار الخضار والفاكهة تصل الى حد 50 وأحياناً 70%، لا على ما كسد منها بل على «وج الصحارة». فكيف «توفّي» معهم وكم يكون هامش الربح عندهم؟ وكيف يمكن لأصحاب هذه المحال أن يبرروا التفاوت في الأسعار بين العروضات الخاصة والبضاعة العادية؟

توجهنا الى محلات «يحيا» (المعروفة بعروضاتها الصباحية من الخامسة والنصف إلى العاشرة) التي تكسّر الأسعار لنسأل عن سر هذه الاستراتيجية المعتمدة في كافة الفروع، وعلمنا من مدير الشركة عماد اسعد أن للمصلحة اسرارها وسر النجاح هو اتقان العمل. فالمحل ليس مجرد محل لبيع الخضار بل يقوم على فكرة تقديم المنتجات بأفضل صورة وبأعلى جودة وبأسعار تنافسية، وعلى مبدأ «بيع أكثر بربح أقل». ويشرح اسعد قائلاً: إنه في هذا الظرف الصعب لا بد من تقديم حلول للناس ليكونوا قادرين على شراء الخضار والفاكهة بأسعار تناسبهم. «بالنسبة إلينا ثمة اصناف غير أساسية تحتمل أرباحاً، يشتريها المقتدرون، وهناك أصناف أخرى اساسية لا تحتمل الربح نحن نزرعها في أرضنا أو نخزنها في مخازننا من هنا تكون تكلفتها علينا أقل من غيرنا ويمكننا بيعها بأسعار أقل، وما نربحه من الأصناف الفاخرة نحسمه في الاصناف الاساسية».

فكرة قد لا يكون الكثيرون من اصحاب المحلات الصغار قادرين على تنفيذها او قد يطغى حب الربح السريع عند البعض على التوفير بطرق تسويق ذكية يستفيد منها التاجر والناس على حد سواء. بعض التجار ينتظرون أن تكسد البضاعة عندهم أو تتعفن حتى يخفضوا أسعارها مساهمين بذلك في إذلال الناس الذين يبحثون مرغمين وسط الصناديق المتعفنة عما تخولهم ميزانيتهم شراءه. «هذه ليست استراتيجيتنا مطلقاً»، يقول عماد اسعد، «فنحن على العكس نحاول أن نصرّف بضاعتنا في اسرع وقت ممكن، نربح أقل لكننا نبيع أكثر وبذلك نصل الى الربح اليومي الذي حددناه لأنفسنا. كل ما نبيعه بعد ذلك هو ربح صاف لنا فنستغل ذلك لتقديم عروضات والبيع بأسعار أقل فنصرّف بضائعنا ولا ندعها تكسد ويستفيد الناس. أحياناً نبيع برأس المال او بأقل منه لكن خير لنا أن نبيع طناً من البطاطا مثلاً بربح لا يتعدى 1000 ليرة للكيلو الواحد من أن نربح 10000 في الكيلو ولا نبيع أكثر من بضعة صناديق. ما يكلفني 40 أبيعه بـ41 وليس بـ 90 كما يفعل الكثيرون كلما قلبنا البضاعة زاد الربح وكلما خففنا نسبة الربح ربحنا بدل الزبون أربعة. كل صنف نتابعه بشكل يومي ونشتغله على الأصول ليكون مربحاً لا الأصناف الفاخرة فحسب».

في المحل الذي زرناه باكراً في الصباح التقينا سيدة منهمكة باستكشاف العروضات المطروحة وكأنها كانت تنتظر من يسألها عن الأسعار لـ»تفش خلقها»: «باقة البقدونس بـ 40000 ليرة «برا» والبقلة كذلك، الفجل الذي كان مرجعاً للرخص صارت الباقة منه بـ 35000. كل الأصناف اسعارها نار، هذا كفر… هنا في العروضات نشتري الحشائش بنصف سعرها والفاكهة اقل بـ 30 أو 40% من المحلات الأخرى. كتّر خيرهم… هم أحنّ علينا من الدولة. آتي الى هنا في الصباح قبل ان أحضّر الطبخة فاحصل على أجود الأصناف بلا زحمة وقبل اشتداد الحر».

ما تقوله السيدة يؤكد عليه المدير المسؤول «فتوقيت العروضات مدروس وغالباً ما يكون في الصباح الباكر حين تكون البضائع لا تزال طازجة جداً والحركة في المحل محدودة، والموظفون في قمة نشاطهم ليستطيعوا خدمة الزبائن على افضل وجه. حركة المحل هي التي تحدد توقيت العروضات نحن نحاول أن نخفف الضغط عن موظفينا، فخلال ساعات الذروة قبل وبعد الظهر يكون الموظفون منهمكين ومنهكين لا يمكنهم متابعة العروضات، اما صباحاً فالكل مرتاح ويمكن لربة البيت أن تؤمن ما تحتاجه قبل أن تبدأ مهماتها ويمكن لرب البيت أن يشتري حاجياته قبل الذهاب الى العمل أو اثناء ممارسة المشي وكل ذلك بأفضل الأسعار. البضاعة جاهزة والموظف جاهز الناس يأخذون وقتهم ولهم حرية الاختيار… صاروا ينتظرون عروضاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليستفيدوا منها».

إرتفاع مستمر وانخفاض غير ملحوظ

لكن كل هذه العروضات والأسعار المخفضة لا تلغي واقع الارتفاع المضطرد في أسعار الفاكهة والخضار التي يلاحظ المواطن أنها نادراً ما تبقى على حالها لأسبوعين متتالين. تقارير وزارة الاقتصاد والتجارة الأسبوعية حول أسعار سلة الغذاء الأساسية تبين أنه في الأسبوع الممتد من 11 الى 16 أيلول مثلاً شهد مجموع الخضار ارتفاعاً قدره 6,6% عن الأسبوع الذي سبقه، الذي كان قد شهد بدوره ارتفاعاً بنسبة 3,3% عن الأسبوع الذي قبله. وتشير هذه التقارير أنه قد يحدث بعض التراجع في الأسعار حين يكون الصنف في موسمه، فالتفاح البلدي الأحمر وكذلك الموز البلدي شهدا تراجعاً بنسبة 4% لكن اسعارهما لا تزال تقارب 100000 للكيلو الواحد علماً أنهما انتاج محلي بحت.

ومن يراقب اكثر هذه التقارير تهاله الهوة الكبيرة بين أسعار السنة الماضية والسنة الحالية لا سيما بالنسبة لبعض أصناف الخضار غير المتوقعة. وبعض النسب تكاد تصل الى عتبات جنونية، فالجزر مثلاً الذي كان في أواخر آب السنة الماضية بسعر 13400 ليرة صار في التاريخ ذاته من هذه السنة بسعر 118700 ما يعني تغيّراً سنوياً بنسبة 786%… والزيادة المهولة ذاتها وإن بنسب أقل تنطبق على الملفوف مثلاً أو الخس والكزبرة كما على بعض اصناف الفاكهة الأساسية مثل التفاح البلدي والليمون ابو صرة وتقارب 300%…

هذه الأرقام لا شك تدفع الى التساؤل عن أسباب الارتفاع الكبير في اسعار الفاكهة والخضار هذا الصيف. «ماهر»، صاحب احد محال الخضار الكبيرة عدّد لنا أسباباً كثيرة بعضها مقنع ومنطقي لكنه لا يبرر جنون أسعار بعض الأصناف كالجزر مثلاً. يقول إن «الأسعار يحددها السوق، أي العرض والطلب، واليوم بات الطلب أكبر من العرض لأن المزارعين توقفوا عن الزرع وما عادوا قادرين على الاستمرار، نظراً لارتفاع الكلفة التي يتكبدونها على البذور والأسمدة والأدوية والري والنقل والتوضيب والتخزين والعمالة ومعظمها يكون بالدولار الأميركي فيما البيع باللبناني. باتوا يفضلون التوقف عن الزراعة بدل الخسارة او استبدلوا بعض الأصناف الشعبية الزهيدة الثمن كالفجل والجزر بأصناف أخرى يمكن ان تدر عليهم ربحاً أعلى من كلفة زراعتها».

لكن ليست الأسباب الاقتصادية والمالية وحدها السبب وراء غلاء الخضار ولا سيما الحشائش، حسبما فهمنا، يوضح ماهر أنه في هذا الوقت من العام اي أواخر الصيف يكون موسم البقاع قد انتهى وموسم سهل عكار لم يبدأ بعد ما يجعل العرض قليلاً. فنصف منتجات لبنان من الحشائش تأتي من سهل عكار وهو لا يزرع صيفاً بسبب الحر والجفاف. في الشتاء تتحسن الأسعار مع اعتماد سهلي البقاع وعكار للانتاج ويصبح العرض كبيراً ويمكن إشباع السوق بالحشائش ومختلف المنتجات. كذلك كان لموجة الحر التي اجتاحت لبنان خلال شهري تموز وآب أثرها على الانتاج وساهمت في رفع الأسعار. يتابع: من جهة أخرى ومع موجة السياح والزوار الذين قصدوا لبنان هذا الصيف ازداد الطلب، على المنتجات الزراعية لا سيما من قبل المطاعم والفنادق وبيوت الضيافة وشكل هذا عاملاً إضافياً لرفع الأسعار لا سيما اسعار الجملة، بحيث بات تجار المفرق مضطرون لحجز بضائعهم بسعر أعلى. هذا بالنسبة للبضائع المحلية اما المستوردة فحدث ولا حرج، فالكل يعلم أن أسعارها تتبع سعر صرف الدولار وتخضع لغلاء كلفة النقل والتخليص وغيرها…

يبقى سؤال أخير رغم كل هذه الأسباب المنطقية، ألا يلعب جشع التجار، صغاراً وكباراً، دوره في رفع الأسعار طمعاً بربح كبير ولو على حساب لقمة عيش الناس؟ وهل يمكن لسوق الخضار المركزي في بيروت الذي لم ير النور بعد رغم جهوزية مبانيه ومطالبة التجار به أن يساهم في حل مشكلة غلاء أسعار الفاكهة و الخضار؟

زيزي إسطفان -“نداء الوطن”

عن Jad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *