الأحد, مايو 12, 2024
الرئيسيةأخبار لبنانية إقتصاديةالضريبة على الأرباح لا تُمسّ بسبب تشابك المصالح بين مجلس النواب والقطاع...

الضريبة على الأرباح لا تُمسّ بسبب تشابك المصالح بين مجلس النواب والقطاع الخاص

الضريبة على الأرباح لا تُمسّ بسبب تشابك المصالح بين مجلس النواب والقطاع الخاص

في الوقت الذي تفتش فيه الحكومة عن طريقة لزيادة ايراداتها «بالسراج والفتيلة»، تأتي موازناتها في عهد الازمة بعيدة عن أي اصلاح ضريبي يحقق الهدف المنشود. هذا الامر ليس جديداً على لبنان بسبب تحالف المنظومة السياسية – الاقتصادية للحفاظ على مكتسباتها وزيادتها، لكنه مستغرب في زمن الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي غير المسبوق. حيث أتت موازنات العامين 2023 و2024 على الاقل خالية من اي تعديلات اصلاحية، ومنها على سبيل المثال الضريبة على الارباح والتي تبلغ في لبنان 17 بالمئة فقط، والتي تحول دون زيادتها بشكل عادل وعصري، تشابك مصالح السياسيين مع المتمولين وأصحاب الاحتكارات. لتكون النتيجة أن هذه الضريبة لا تزال هي الادنى بين دول المنطقة (مصر وتونس والمغرب وتركيا تتراوح بين 20 و30 بالمئة) في حين انها تبلغ في الدول الصناعية 30 بالمئة.

ليس جديدا القول أن النظام الضريبي في لبنان رجعي، ويحرم الدولة من مواردها المالية والمواطنين من الانماء المنشود، لكن ما يجدر التوقف عنده، هو أن الدولة لديها كل عام الفرصة لتغيير هذا الواقع عبر الموازنات وهذا الامر لا يحصل، ومنها تعديل الضريبة على الارباح للحدّ من التفاوت في المداخيل وتعزيز النشاط الاقتصادي. فلماذا لا يتم المس بهذه الضريبة الى الآن؟

‎ يشرح نقيب نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان عفيف شرارة لـ»نداء الوطن» أن «الضرائب هي سياسة الدولة الانمائية، والهدف من فرضها هو تغطية مصاريفها، ووضع خطة انمائية لتحسين أوضاع المواطنين»، موضحاً أنه «تمّ تخفيض الضرائب على الارباح منذ عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري، لتحويل لبنان الى جنة ضريبية لجذب استثمارات كبيرة. ولا تزال هذه السياسة سارية ولم يتم تعديل هذه الضرائب الا بشكل بسيط في العام 2017 والتي تتعلق بالافراد وليس بالمؤسسات والشركات والاموال».

يضيف: «كنقابة نعتبر أنه لا يجوز ان تكون هذه الضرائب ثابتة بل وفقاً لشطور، وعلى شركات الاموال أن تدفع ضريبة تصاعدية على أرباحها ايضاً، لأن دعم الدولة ونموها لا يتم الا بالضريبة السليمة والصحيحة»، مطالباً «باعتماد هذه المعايير لأن هناك الكثير من الاموال غير المحصلة للدولة، وتفقد قيمتها مع الزمن وهناك تسويات تحكمها. إضافة الى أن قدرة وزارة المالية على التحقق من هذه الضرائب وتحصيلها ضعيفة جداً، ولذلك يمكن القول إن الرقابة والتدقيق والتفتيش غير فعالة في لبنان، بالاضافة الى التهرب الضريبي المغطى بضعف القوانين الرادعة».

يعطي شرارة مثالاً على ما يحصل في شأن التهرب الضريبي بالقول: «هناك ادخال للبضائع عبر المعابر غير الشرعية وأخرى يتم تغيير تصنيفها لتخفيض الرسوم. هذه المخالفات مؤذية جداً للاقتصاد اللبناني ولا رادع لها. القوانين الناظمة لهذه المخالفات غير رادعة والقضاء لا يتخذ قرارات فعّالة بهذا الخصوص، لذلك تخفيض مستوى الضرائب وغياب المحاسبة الجدية والرقابة والتدقيق، تنعكس ضعفاً في الاقتصاد اللبناني».

في المقابل يفسر شرارة المقصود بضعف وزارة المال بالقول: «ضعفها بسبب غياب القوانين المعتمدة والموضوعة منذ 40 عاماً تقريباً، ويتم ادخال تعديلات جزئية عليها. فمثلاً النقاش حول الضريبة الموحدة على الدخل بدأ منذ 30 عاماً والى الآن لا وجود لها. كما أن أي مواطن يمكنه تأسيس شركة وتسجيلها في السجل التجاري وانجاز عشرات الصفقات من دون تصريح للدولة، ووزارة المالية لا تعلم بها ولا رقابة دقيقة ولا انظمة واضحة للملاحقة»، جازماً بأن «هناك شركات تؤسّس لاستضافة فنانين من الخارج (حفلة عمرو دياب الاخيرة على سبيل المثال)، وبعد انتهاء الحفلة يتم ايقاف عمل الشركة من دون ان تتقاضى الدولة الضرائب الضرورية (ضريبة القيمة المضافة)».

ويختم: «هذا ينطبق ايضاً على البضائع، وغياب القوانين الناظمة والرادعة هي السبب في ضعف الاقتصاد والتحصيل الضرائبي والتحقق».

في الميزان الاقتصادي يرى مدير مؤسسة البحوث والاستشارات في لبنان والخبير الاقتصادي كمال حمدان لـ»نداء الوطن» أن «انخفاض ضريبة الارباح سببها ان القوى الحاكمة، هي بشراكة وتشابك مصالح تاريخي مع الاحتكارات المتنفذة في القطاع الخاص. مثلاً المصارف 70 بالمئة من اعضاء مجالسها، يرتبطون بصلة مباشرة او غير مباشرة مع اطراف سياسية في مجلس النواب والوزراء ورؤساء سابقين»، جازماً ان «هذا الامر ينطبق أيضاً على «الاحتكارات الكبيرة المسيطرة على اسواق معروفة مثل المحروقات والادوية. وهذا يعني ان هناك تشابك مصالح فكيف يمكن سن قوانين في مجلسي النواب والوزراء تطال مصالح هم جزء منها؟».

يعبّر حمدان عن أسفه لأنه «تمّ تدمير الحركة النقابية وهجّروا الكوادر، لو بقيت في البلد لاستطاعت جمع صفوفها وتشكيل حركة تاريخية تفرض اصلاحات كبيرة. اليوم باتت هذه الكوادر موزعة خارج لبنان وبقيت الفئات المتوسطة وما دون من الاجراء، الذين يمارس تجاهم نظرة دونية لكل ما له علاقة بعالم الاجور والتقديمات الاجتماعية».

يشرح المدير السابق لوزارة المال الدكتور آلان بيفاني لـ»نداء الوطن» أن «ضريبة الدخل في لبنان منقسمة الى 3 أجزاء هي، الضريبة على الارباح والضريبة على الرواتب والاجور وضريبة على الأرباح الرأسمالية أي التوزيع»، لافتاً الى أن «الضريبة على الرواتب والاجور ارتفعت مرات عدة، وكنا نحاول ان لا تكون النسبة كبيرة، لأنه في لبنان هناك عبء اضافي على الاموال مقارنة على العبء الموجود على رؤوس الاموال».

ويستدرك قائلا: «بما ان مجلس النواب هو من يشرّع هذه الضرائب بناء على اقتراح الحكومة، وحين يكون معظم اعضاء هذا المجلس يملكون مؤسسات وشركات، من الطبيعي أن لا يحبذ رفع ضريبة الارباح، بل يتحول رفعها «بالقطارة»، ولذلك بقيت هذه الضريبة ترتفع بنسب قليلة كانت 10 بالمئة في العام 2000، ثم رفعت الى 15 بالمئة وبعدها الى 17 بالمئة منذ أعوام قليلة».

يضيف: «ضريبة توزيع الارباح كانت 10 بالمئة، وبقيت على حالها لأن مجلس النيابي رفض مراراً رفعها. أما الضريبة على الرواتب والاجور فرفعت في الماضي، لأن الحكومات كانت تعتبره الطريقة الاسهل لتحصيل الاموال»، جازماً أن «ما تغير جذرياً في ما يتعلق بضريبة الدخل هو أننا ادخلنا في العام 2003، ضريبة على أرباح الفوائد والتي كانت صفر ورفعت الى 7 بالمئة وبعدها تم رفعها تدريجياً».

يرى بيفاني أنه «في مقارنة بين الضرائب في لبنان ودول المنطقة، كانت الحكومات تعتبر أنه افضل حالاً من بعض الدول واسوأ حالاً من البعض الآخر لناحية الحاجة للمداخيل الضريبية. ولذلك كنا بمستويات ضريبية من بعض الدول (مصر والمغرب) واكثر من دول اخرى ولا سيما دول الخليج»، مؤكداً أن «السياسة الضريبية من المفترض أن تكون مستوحاة من الواقع، وفي لبنان الوضع متدهور جداً وهناك واقع آخر يفرض نفسه وهو من يضع السياسة الضريبية اي مجلس النواب الذي يملك الادوات لزيادة الضرائب او منع اقرارها».

ويختم: «في الوقت الحاضر وقبل انتظام عمل المؤسسات لا فائدة في رفع ضرائب بشكل جزئي. في الاساس يجب بناء مؤسسات الدولة لكي ينتظم العمل فيها بشكل صحيح، والا نكون نزيد الضرائب على جزء ضئيل من المكلفين الذين يمكن ان تصل اليهم اجهزة الادارة الضريبية، في حين ان باقي المكلفين الذين لا تصل اليهم هذه الاجهزة، ولا يدفعون الضرائب في الاساس يبقون خارج نظام التحصيل الضريبي».

يعتبر عضو كتلة الجمهورية القوية النائب رازي الحاج (عضو لجنة المال والموازنة النيابية) أن «النظام الضريبي في لبنان غير مثالي، ليس فقط لأن الضريبة على الارباح على سبيل المثال ليست مرتفعة، بل بسبب تعدد انواع الضرائب وبعدم عدالتها».

يقول لـ»نداء الوطن»: «عندما يوضع أي نظام ضرائبي يؤخذ بعين الاعتبار أمران، الاول هو عدالة الضريبة، وثانياً هو كيفية وضع ضرائب تصاعدية تتمتع بمرونة تحمي الطبقة المتوسطة والطبقات الوسطى الدنيا»، مشدداً على أن «الاشكالية اليوم ليست في نسبة الضريبة على الارباح، بل نحتاج الى ورشة تشريعية لاعادة النظر بمجمل النظام الضرائبي. لأن من يدفعون ضريبة الارباح يدفعون بالتوازي ضرائب في اماكن اخرى، وفي حال قمنا باحتساب كل الضرائب التي يدفعها المكلف نصل الى نتيجة ان المواطن اللبناني ملتزم ضريبياً ويدفع ضرائب تتشابه مع معدلات الضرائب التي يدفعها المكلفون في الدول الاخرى مع فرق أساسي انه في الدول الغربية يتم تأمين لكافة القطاعات والمواطنين، وبيئة اعمال مناسبة وبنى تحتية وخدمات وحماية اجتماعية ونظام تقاعدي واستشفاء وتربية، وهذا أمر مفقود في لبنان».

ويختم: «لذلك لا يجوز المقارنة انطلاقاً من هذه الزاوية فقط، اي نظام ضرائبي يحتاج الى ورشة تشريعية شاملة. ولا يمكن وضع نظام ضرائبي بمعزل عن نظام حماية اجتماعية، وشبكة امان اجتماعي وتحديث لهيكل الدولة اللبنانية بشكل عام».

باسمة عطوي- نداء الوطن

قد يهمك أيضاً

مقالات ذات صلة

اضغط على الصورة لتحميل تطبيقنا للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

مقالات قد تهمك

Translate »