صدمات متصاعدة “تفرمل” المشروعَ الحكومي لإعادة هيكلة القطاع المصرفي

صدمات متصاعدة “تفرمل” المشروعَ الحكومي لإعادة هيكلة القطاع المصرفي

يضيق هامشُ المناورة أمام الحكومة اللبنانية إلى حد الانغلاق في سعيها الأحدث لتشريعِ محدّداتٍ معدّلة شكلياً للتعامل مع كتلة ودائع عالقة في الجهاز المصرفي تتعدى 90 مليار دولار، ومن خلالها إرساء قواعد محاسبية ورقابية لإصلاح أوضاع الجهاز المصرفي، وضمن استهدافٍ مرتجى لإعادة الانتظام المالي.

فلم يكد مشروع القانون الجديد لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، والذي يُشْبِهُ في مضمونه حَمْلَ أكثر من «بطيخة» بيد واحدة، أن يتسلّل على الملأ عبر تسريب مقصود وإلى الأوساط كافة من سياسية وقطاعية، حتى صُعق بصدمة قانونية ذات «فولتاج» كهربائي مرتفع ومعزَّز بالمرجعية التي يمثّلها مجلس شورى الدولة بقوة قراراته وتَعَذُّر تجاوزها هو الذي أصدر قراراً أبطل فيه قرار مجلس الوزراء بتاريخ 20/5/2022 الخاص باستراتيجية النهوض بالقطاع المالي في شقّها المتعلق بـ «إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، وذلك لتخفيض العجز في رأسمال مصرف لبنان وإغلاق صافي مركز النقد الأجنبي المفتوح للمصرف».

ومع هذا القرار وما توالى بعده من مواقف اعتراضية وبحدّةٍ بالغة، ولا سيما مَن يُلْقي عليهم مشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي الوزر الأكبر من الأعباء، من مودعين وبنوك، بدا مسار هذا المشروع الحكومي منقلباً على أعقابه عشية التحضير لإدراجه بنداً رئيسياً أو وحيداً على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المزمعة في نهاية الأسبوع المقبل، بل تحوّل «لقيطاً» بسرعة قياسية بعدما توسّعت دوائر التنصل المتدرج وتَصاعَدَ تفنيدُ ثغرات مضمونه واستهدافاته من قبل مرجعيات معنية وأطراف فاعلة سياسياً ونيابياً، وبلغةٍ أكثر حدة في أوساط القطاع المالي والاقتصادي.

وليس عابراً التزامنُ المتعدّد المصادر في إشاعةِ توقّعاتٍ بإسقاط المشروع الحكومي في مهده إن أمكن من خلال جمْع أصوات وزارية اعتراضية، أو في سياقاته اللاحقة حيث تبرز هبّة نيابية واسعة تحت شعار رفض تشريع أي نص يُفْضي إلى المساس بمفهوم «حقوق» المودعين عاجلاً أم آجلاً، بينما تستعد جمعية المصارف، والأرجح هذا الأسبوع، للانتقال القانوني من مذكّرة «ربْط النزاع» إلى رفع الدعوى القضائية ضد الدولة.

استطراداً، واستلهاماً من حِكمة «ربّ ضارة، نافعة»، يَفترض مسؤولٌ مالي كبير، ووفق التصويب القانوني الذي كرّسه مجلس الشورى، ضرورةَ الإقرار بنظامية الأزمة العاتية التي تضرب بعنفٍ شديد كل مرتكزات القطاع المالي ومؤسساته وحقوق الأفراد والشركات من مقيمين وغير مقيمين، والاقتناع بوجوب الخروج نهائياً من حال «الانكار» لمسؤولية الدولة المعنية قبل سواها بالتزام الدستور والتشريعات النافذة، ومن ثم التخلي عن «بهلوانيات» المقاربات المؤدية الى «الخراب» الأعمى توطئةً لتأسيسٍ جديد مجهول البنى والأهداف.

وبالفعل، لاحظتْ الهيئاتُ الاقتصاديةُ تَجاهُلَ الحكومة في مشروعها الطابعَ النظاميّ للأزمة وتصويرها على أنها أزمة بين مصرف ومودع ليس إلا، فيما الدولة اتخذتْ سلسلةَ قراراتٍ خاطئة بدأتْ مع التخلف عن سداد اليوروبوند ولم تنتهِ بالدعم، وأن مصرف لبنان ألزم بتعاميمه وتعليماته المصارف بإيداع السواد الأعظم من دولاراتها لديه.

كذلك، لم يَلحظ المشروع مسؤوليةَ أيٍّ من السلطة السياسية والمالية والنقدية في الانهيار المالي والنقدي، بل هو تجاهل تراتبية المسؤوليات، بدءاً من أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة عبر الحكومات المتعاقبة التي استدانت وهدرت واستنزفت الأموال – كما أثبت ذلك تقريرا شركتي «ألفاريز ومارسال» و«أوليفر وايمان» – قبل اندلاع الأزمة وبعدها، والتي رفضت تنفيذ المادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تلزمها بتحمل خسائر مصرف لبنان، وان المسؤول الثاني هو مصرف لبنان الذي لبّى طلبات الدولة التمويلية رغم علمه بعدم قدرة الدولة على الإيفاء.

وفي التدقيق المحاسبي، أن تكلفة الخطة على المصارف باهظة الثمن بما أنها جرّدتْها عملياً من الموجودات وأبقت على دفاترها مطلوبات ضخمة، ما يجعل الخطة غير قابلة للتطبيق، وتؤدي إلى هَلاك العدد الأكبر من المصارف، وشطْب قسم ضخم من أموال المودعين.

وبالأسبقية، لم تتردد الجمعية العمومية للمصارف، في تحديد شرطيْن أساسييْن للتجاوب مع المَشروع الحكومي الحاضر أو أي مشروع لاحق. الأول أن يتضمّن المشروع نصاً واضحاً وصريحاً لا يقبل التأويل أو الاجتهاد يوضح أن الأزمة المالية الحالية في لبنان هي «أزمة نظامية». والثاني أن تتحمل الدولة جميع التزاماتها القانونية وخصوصاً فيما يتعلق بتغطية الخسائر في ميزانية مصرف لبنان، ما يعود بالمسؤولية على الدولة ومصرفها المركزي لإعادة جميع الإيداعات من مصرف لبنان إلى المصارف كي تعيدها بالكامل إلى المودعين.

وبالتالي فإن أي مفاوضاتٍ تُجْريها الجمعيةُ أو الآراء التي تُصْدِرُها بخصوص أي مشروع قانون يتعلق بإعادة هيكلة المصارف، يجب أن تستند إلى هذه النقاط ( الشرطية) كحد أدنى، ولا يجوز التراجع عنها بأي شكل قبل الرجوع إلى الجمعية العمومية من جديد.

وبالاستناد الى الفقرة الحُكْمية في مطالعة مجلس الشورى، فإن تقرير إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، وما تمثله فعلاً تلك الالتزامات من إيداعات للمودعين لدى المصارف الخاصة، يشكل حائلاً دون قيام هذه المصارف بإتمام موجباتها بردّ الودائع عند الطلب إليها دون أي تأخير وفقاً لما تفرضه أحكام المواد 690 وما يليها من قانون الموجبات والعقود.

وبالتالي، فإن هذا التجاوز، يؤدي إلى الإخلال بالموجبات المهنية المفروضة على المصارف لجهة المحافظة على حقوق المودعين وأموالهم، وضرورة إعادة الوديعة لأصحابها بالطريقة التي تحقق لهم الإيفاء الفعلي ولا تلحق بهم أي ضرر أو تؤدي إلى حرمانهم من الحصول فعلياً على أموالهم أو استعمالها أو استثمارها بشكل مُنْتِج.

وبما أنه يقتضي في ضوء مجمل ما تَقَدَّمَ، وفي ضوء ثبوت مخالفة قرار مجلس الوزراء في شقّه المطعون فيه، لأحكام ومبادئ دستورية ومبادئ مستقاة من اتفاقيات دولية، ولقوانين وطنية، قرّر مجلس شورى الدولة بالإجماع قبول المراجعة أساساً وإبطال قرار سابق لمجلس الوزراء بالموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي في شقها المتعلق بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف.

الراي

للانضمام الى مجموعتنا لسعر الصرف عبر الواتساب اضغط هنا

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *