اقتصاد لبنان .. ينفرد إقليمياً بصدارة «النمو السلبي» هذا العام

كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:

ينفرد الاقتصاد اللبناني عن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بتزخيم النمو السلبي المرتفع في ناتجه المحلي للعام الثاني على التوالي، مع استمرار توليد الأزمات المستعصية على المسارين النقدي والمالي جراء الشلل الحكومي وتضاؤل قدرات البنك المركزي على شراء مزيد من «الوقت المستقطع»، فيما يتوقع شهر عجز الدولة عن مجابهة موجات تضخمية عاتية، يُرجح أن تضرب بقوة صاعدة بدءاً من نهاية الشهر الحالي.
ويبدو، حسب متابعات لاقتصاديين وخبراء، أن تكثيف الضبابية التي تكتنف الأوضاع الداخلية، خصوصاً لجهة استيلاد عوائق إضافية على مسار تأليف حكومة جديدة، والمشكلات المستجدة الطارئة على خطوط العلاقات والتبادلات التجارية مع بلدان دول مجلس التعاون الخليجي، بددا النجاح المطرد المحقَّق على جبهة مكافحة جائحة «كورونا»، وربطا إمكانية نهوض جزئي لقطاع السياحة الأرخص إقليمياً بسبب تدهور سعر صرف الليرة. كما يضاعفان التكاليف التقديرية للإنقاذ الممكن في المرحلة التالية.
وإذ توقع البنك الدولي، في أحدث تقاريره، أن ينكمش الناتج المحلّي الإجمالي للاقتصاد اللبناني بنسبة 9.5% خلال العام الحالي، بعدما انحدر بنسبة 25% خلال العام الماضي، تبقى المعالجات الضرورية رهينة التوافق الداخلي المغيب على الحدود الدنيا من مستوى الاستقرار السياسي المطلوب… بل إن المخاطر تمضي بالارتفاع الحاد الذي يُنذر بتكبيد أغلب القطاعات الاقتصادية مزيداً من الخسائر، ويدفعها إلى تسريح «الصامدين» من عمالتها، ومن آخر تجلياتها إقفال عشرات الصيدليات وعمليات الصرف الجماعي بالمئات في الجهاز المصرفي ومثيلاتها السابقة في قطاعات الفنادق والمطاعم وشركات السفر ووكالات السيارات الجديدة والمستعملة وسواها.

ويعاني لبنان من توغل لا متناهٍ في وضعية «عدم اليقين» فيما خص الأوضاع الماليّة والنقدية وتعدّدية سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي، والذي أُضيف إليه سعر جديد عبر المنصة الجديدة لمصرف لبنان، بحيث يتمتع الدولار النقدي والوارد من الخارج (الطازج) دون سواه بمكانة متقدمة. بينما تنحدر قيمة الدولار المحلي المودع في البنوك إلى ما دون ثلث قيمته الأصلية، أو يتم سحبه بسعر 3900 ليرة، مقابل 13 ألف ليرة لسعر الدولار السائد في الأسواق الموازية.
ويقدر البنك الدولي، في أحدث تقاريره الدورية، أن الركود الاقتصادي في لبنان صعب وسيستمر لفترة طويلة نتيجة غياب قيادة فعالة لصنع السياسات. مبيناً أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد قد تراجع بنسبة 40% خلال الفترة ما بين عامي 2018 و2020 ومن المتوقع أن ينخفض أكثر. وبالتالي، فمن المرجح أنّ يخفّض البنك الدولي تصنيف لبنان من حيث الدخل من اقتصاد ذي دخل متوسّط أعلى؛ إلى الشريحة الدنيا من الدخل المتوسّط. وبالفعل، شهدت جميع القطاعات تراجعاً متواصلاً في الفصل الأول من عام 2021 الحالي، بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي، والذي شهد تدهوراً كارثياً في أداء الاقتصاد وقطاعات الإنتاج، فضلاً عن كارثة انفجار مرفأ بيروت التي أودت بحياة المئات ودمّرت نحو ثلث أحياء العاصمة. وقد سجل قطاع التجارة والخدمات التقلص الأبرز، وفقاً لتقرير مصرفي دوري. كما تأثر الاستهلاك الخاص سلباً بالمخاوف الاقتصادية والمحاذير النقدية المتنامية، إضافةً إلى التأثير السلبي لجائحة «كورونا على السلوك الاستهلاكي. وقد تلقى الاستثمار الخاص ضربة قاسية بفعل الضبابية المتزايدة في المشهد الاقتصادي والقلق المتنامي بشأن الآفاق السياسية والاقتصادية المحلية عموماً.
وتتفق المؤسسات المالية الدولية على توصيف واجب الدولة اللبنانية بتأمين الاستقرار الماكرو – اقتصادي، قبل البدء بعملية التعافي من خلال إعادة هيكلة شاملة للدين العام وللقطاع المالي، وإلى ضرورة اعتماد سياسة نقدية جديدة وبرنامج تكيف مالي. علماً بأن المحادثات مع صندوق النقد الدولي معلّقة حالياً عقب 18 جلسة سابقة لم تتعدَّ المستوى الأولي.
ويمثل نضوب الاحتياطيات الحرة لدى البنك المركزي أيضاً مشكلة متفجرة وذات تداعيات معيشية مؤلمة، حيث يتوجس المواطنون والأسواق من تعذر استمرار دعم المواد الأساسية خلال فترة قصيرة، مما سيضاعف مستويات التضخم المرتفعة المسجلة خلال العام الماضي، وسيؤدي إلى ارتفاع كبير ومخيف في مستويات الفقر البالغة حالياً نحو 65%. وهو ما سيؤثر، حسب تقييم البنك الدولي، على جميع طبقات المجتمع اللبناني وذلك بسبب تراجع القدرة الشرائية الحقيقية وفقدان العمالة المنتجة، إضافة إلى ارتفاع مستويات البطالة من 28% في بدايات العام الماضي، أي قبل مرحلة تفشي فيروس «كورونا»، إلى 40% مطلع العام الحالي.
وتعكس مؤشرات القطاع الحقيقي هذا العام حدة الانكماش وتعميمه في المجالات كافة. ومن الإشارات المستجدة في الفصل الأول، هبوط عدد مبيعات السيارات الجديدة بنسبة 75.5%، وتراجع قيمة الشيكات المتقاصة بنسبة 60.6%، وتراجع عدد المسافرين عبر مطار بيروت بنسبة 53.4%، وتقلص مساحة رخص البناء الممنوحة بنسبة 36%. وبالموازاة، سجل مؤشر أسعار الاستهلاك نمواً نسبته 148.9% على أساس سنوي، ما يشير إلى أن البلاد وقعت بالفعل في فخ الركود التضخمي.

Ads Here

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

News, international, international scopes, intscopes, scopes, middle east news, latest news of Lebanon, news in Lebanon, news in Lebanon now, news of Lebanon, Lebanon, Lebanon News, Lebanon news today, Lebanon news now, Lebanon government news, Lebanon elections, Lebanon security situation, Lebanese banks, Lebanon economic crisis, Lebanon political crisis, Lebanon currency exchange rate, أخبار لبنان اليوم، اخبار لبنان اليوم عاجل، اخر اخبار لبنان، Lebanon today news, أخبار الحكومة اللبنانية، الوضع الأمني في لبنان، الأزمة السياسية في لبنان، Lebanon government news, Lebanon elections, Lebanon security situation, Lebanon political crisis, سعر صرف الدولار في لبنان، المصارف اللبنانية، الوضع الاقتصادي في لبنان، Lebanon currency exchange rate, Lebanese banks, Lebanon economic crisis, سكوبات، سكوبات عالمية، عالمية, int, int scopes, international, Lebanon, أخبار، أخبار لبنان، اخبار، اخبار Lebanon daily news,لبنان, Economy, economy in Lebanon, economy of Lebanon, economy of Lebanon now, economy scopes, latest news of Lebanon, lebanon, Lebanon Economy, Lebanon News, lebanon news now, middle east news, News, news in Lebanon, news in Lebanon now, news of Lebanon, scopes, Economic News Updates, Stock Market Analysis, Investment Opportunities, Economic Forecasts, Financial Market Trends, Global Economic Reports, Business News Today, Economic Impact Assessments, Market Research Reports, Economic Indicators, أخبار، أخبار لبنان، أقتصاد، أقتصاد لبنان، أقتصادية، اخبار، اخبار لبنان، اقتصاد، اقتصاد لبنان، اقتصادية، سكوبات، سكوبات أقتصادية، سكوبات اقتصادية، لبنان

قصف الضاحية الجنوبية.. رسائل استراتيجية تمهد لحرب شاملة في لبنان

قصف الضاحية الجنوبية: رسائل استراتيجية تمهد لحرب شاملة في لبنان في ليلةٍ كانت الأعنف منذ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *