2 5
2 5

هل تنتهي هيمنة الدولار؟

عندما أطلق الاتحاد الأوروبي اليورو قبل عقدين من الزمن، تساءل الاقتصاديون عما إذا كانت العملة الجديدة قد تحقق إنجازا لم ينجح فيه أي بلد آخر في فترة ما بعد الحرب: تحدي الدولار الأميركي العظيم. ومع ذلك، فإن مديري الاحتياطيات في البنوك المركزية في العالم، وكذلك الشركات في جميع أنحاء العالم، عالقون إلى حد كبير مع الدولار. والآن، تسعى أوروبا مرة أخرى إلى ترسيخ النوايا الحسنة لليورو خارج حدودها.

فقد قالت مجلة “إيكونومست” (Economist) البريطانية إنه تم اتخاذ خطوة مهمة في 15 يونيو/حزيران، بإصدار سندات بقيمة 20 مليار يورو كجزء من مخطط الجيل القادم للاتحاد الأوروبي لتعزيز الاقتصادات الأوروبية، ويمكن لهذه السندات أن تنافس سندات الخزانة الأميركية كأصل آمن.

إن وظيفة العملات الأساسية هي تسهيل معاملات الأشخاص والشركات داخل حدود المناطق التي تصدرها، لكن التعامل بها على الصعيد الدولي مفيد من نواح كثيرة.

بالنسبة للشركات، فإن إجراء الواردات والصادرات بعملتها المحلية بدلا من الدولار، يعني قدرا أقل من الاضطراب عندما تتأرجح أسعار الصرف، كما أن إصدار عملة يرغب الأجانب في الاحتفاظ بها يمكن أن يسهل على الحكومات جمع الأموال منها بأسعار رخيصة، وهذا بدوره يؤدي إلى خفض تكلفة الاقتراض للشركات والبنوك.

وذكرت المجلة أن اليورو متاح على نطاق واسع خارج 19 دولة تستخدمه رسميا، وتربط حوالي 20 دولة عملاتها باليورو بطريقة ما، وإن كانت هذه البلدان في الأساس مستعمرات أوروبية سابقة وجيرانا مقربين. ووفقا للبنك المركزي الأوروبي، فإن ما بين ثلث ونصف إجمالي الأوراق النقدية باليورو يُحتفظ بها خارج منطقة اليورو، ومع ذلك، من خلال المقاييس العادية المستخدمة لقياس الاستخدام الدولي، يأتي اليورو في المرتبة الثانية بعد الدولار.

حوالي خمس احتياطيات النقد الأجنبي المملوكة للبنوك المركزية، ونسبة مماثلة من القروض والسندات عبر الحدود، مقومة باليورو. بالإضافة إلى ذلك، فإن حصة اليورو في مدفوعات المعاملات أقرب كثيرا إلى حصة الدولار، نظرا لأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر جهة تبادل في العالم للسلع والخدمات. مع ذلك، فإن معظم السلع -مثل النفط والقطن- يتم تسعيرها بالدولار.

في أعوامها القليلة الأولى، بدت العملة الموحدة وكأنها قد تنافس الدولار. بحلول عام 2007، أصبح اليورو العملة الأكثر شيوعا لإصدار الديون المقومة بالعملات الأجنبية، لكن هذا لم يدم طويلا، ودفعت الأزمة المالية التي بدأت في ذلك العام المستثمرين المتقلبين إلى العودة إلى الدولار كعملة مفضلة لهم، وبدا أن أزمة منطقة اليورو التي أعقبت ذلك وأصبحت خلالها مسألة بقاء العملة الموحدة موضع تساؤل، تبرر قرارهم. واعتمادا على المقياس المستخدم، تباطأ اليورو منذ ذلك الحين أو فقد أهميته.

منافسة الدولار

وأشارت المجلة إلى أن أوروبا تريد الآن تكرار المحاولة وتجاوز الدولار أو على الأقل الحد من هيمنته، وهناك تغييران في الظروف قد يشيران إلى إمكانية حصول اليورو على فرصة لمنافسة الدولار.

أولا، تغير موقف الولايات المتحدة من صنع السياسات الاقتصادية الدولية، على الأقل في ظل رئاسة دونالد ترامب، إذ تتعارض الحمائية الخاصة به مع الالتزامات المفروضة على مُصدر العملة الاحتياطية العالمية. وحتى في ظل إدارة جو بايدن الأكثر تصالحية، تشعر أوروبا بالقلق من أن مصالحها لن تتماشى دائما مع مصالح الولايات المتحدة.

في مارس/آذار، قال زعماء منطقة اليورو إن تعزيز الاستخدام الدولي للعملة سيساعدهم على تحقيق “الاستقلال الاستراتيجي”. وكان الاتحاد الأوروبي منزعجا بشكل خاص من اكتشاف أن الشركات في المنطقة كانت في الواقع مجبرة على الالتزام بالعقوبات الأميركية التي عارضتها أوروبا. لقد استخدمت الولايات المتحدة حاجة البنوك الكبرى للوصول إلى الدولار لمراقبة سلوكها، وأولئك الذين خالفوا المراسيم الأميركية تكبدوا غرامات كبيرة.

ويرى النقاد هذا الامتياز خارج الحدود الإقليمية على أنه تسليح غير مبرر للدولار، وقد شجع ذلك على تغيير رأي أولئك الذين كانوا تقليديا يقاومون تعزيز الدور الدولي لليورو. وفي أوقات الأزمات، تميل العملات الاحتياطية العالمية إلى الارتفاع بسبب بحث المستثمرين عن أصل آمن.

أما التغيير الثاني فجاء بشكل غير متوقع نتيجة الوباء، ففي حين أن الركود العالمي الأخير أوصل اليورو إلى حافة الهاوية، لقيت الإجراءات السريعة التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي والحكومات الوطنية في هذه المناسبة ترحيبا كبيرا، ولقد عزز ذلك من مصداقية اليورو في الأزمات، وهي سمة أساسية للعملة العالمية.

والأفضل من ذلك، استجابة الكتلة للأزمة من خلال تعديل هيكل العملة الموحدة بطرق من شأنها أن تعزز جاذبيتها الدولية. وتمثلت الخطوة الكبيرة في إنشاء مخطط الجيل القادم للاتحاد الأوروبي وإصدار السندات لاحقا، ويتم دعم السندات من خلال الميزانية العمومية لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مما يجعلها مشابهة تقريبا لسندات الخزانة الأميركية. هذا أمر جديد نسبيا في أوروبا، حيث يتم الاقتراض في الغالب من قبل الحكومات الوطنية التي تتفاوت جدارتها الائتمانية، ويخلق السند الجديد لعموم الاتحاد الأوروبي طريقة للمستثمرين للادخار باليورو دون المخاطرة بالائتمان.

عوائق أمام اليورو

كان غياب مثل هذا “الأصل الآمن” أحد العناصر التي أعاقت استخدام اليورو دوليا، فجميع أنواع العمليات عبر الحدود -من إدارة احتياطي البنك المركزي إلى الشركات التي تقترض الأموال بعملة أجنبية- مدعومة بمقياس مرجعي مرن خال من المخاطر، وظلت سندات ألمانيا بمثابة وكيل غير كامل حتى الآن، لكن إصدار مخطط الجيل القادم للاتحاد الأوروبي “يساهم في جعل اليورو بديلا أفضل للدولار”، بحسب قول رضا مقدم من بنك مورغان ستانلي.

لم تختف كل العوائق التي تحول دون المزيد من الاستخدام الدولي لليورو، أولا، قد يتبين أن “الأصل الآمن” مؤقت: من الناحية النظرية، سيتم إصدار آخر سندات الجيل القادم للاتحاد الأوروبي في عام 2026، على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن المخطط سيتم تمديده بطريقة ما، كما أن المبالغ المالية صغيرة وفقا للمعايير المالية العالمية، وسيبلغ إجمالي الديون المستحقة في الاتحاد الأوروبي ذروته عند حوالي تريليون دولار، في حين أن الولايات المتحدة لديها أكثر من 20 تريليون دولار من الديون المستحقة التي يمكن للمستثمرين تداولها.

وأشارت المجلة إلى أن بعض خصوصيات العملة الموحدة لا تزال قائمة، حيث تفتقر منطقة اليورو إلى بعض العناصر المهمة لاتحاد مالي متماسك، مثل تقاسم المخاطر إذا تداعت البنوك، ويعني الافتقار إلى إعادة التوزيع المالي أن عودة أزمة منطقة اليورو ما زالت ممكنة. ولا تزال أسواق رأس المال ضعيفة، على عكس الأسواق الأميركية.

من المشكوك فيه ما إذا كان الحصول على حصة من الدولار سيساعد في عزل أوروبا عن نفوذ الولايات المتحدة: ستحتاج البنوك دائما إلى الدولارات، وبالتالي موطئ قدم في نيويورك، حتى لو ازدهر اليورو، وقلة يعتقدون أن العملة الموحدة يمكن أن تحل محل العملة الأميركية، ولكن ربما يمكنها أن تعيد التوازن إلى النظام النقدي الدولي.

في عام 2019، فكر مارك كارني محافظ بنك إنجلترا آنذاك، في أن التكنولوجيا قد تعطل أنواع تأثيرات الشبكة التي تثبت الدولار في قلب التمويل الدولي، وقد يؤدي صعود العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية إلى خلق توازن جديد، حيث تتمتع العديد من العملات بمكانة العملة الاحتياطية العالمية.

مثل هذه النتيجة لا تزال تبدو بعيدة بضعة أعوام، لكنها ستمثل عودة إلى الوضع الطبيعي قبل الحرب العالمية الثانية، حين كان للعديد من العملات -بما في ذلك الدولار- هيمنة مشتركة.

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية

تعميم 1000 دولار يدخل حيز التنفيذ: الصيارفة يواجهون تحديات تطبيق “اعرف عميلك” وتحديث البرامج

مقدمة: تطبيق تعميم مصرف لبنان على المؤسسات المالية غير المصرفية دخل تعميم مصرف لبنان (BdL) …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *