لبنان 9
لبنان 9

الثمن المقبول لاحتواء انهيار لبنان

كتب إياد أبو شقرا في “الشرق الأوسط”:

ما الذي تغيّر خلال بضعة أشهر حتى غدا ممكناً تذليل العقبات التي تمنع تشكيل الحكومة اللبنانية؟ هل يُعقل أن صحوة ضمير ليّنت القلوب القاسية، فتجاوبت مع آلام الجياع والمرضى المحرومين من الدواء؟ أم ترى الانهيار الاقتصادي الفظيع بدأ يمسّ جمهور القوى المتسببة فيه؟

قناعتي الشخصية أن الجواب الحقيقي في مكان آخر تماماً.

في لبنان، بُعدان اثنان متلازمان للأزمة العميقة المزمنة التي تدفع كلَّ تنافس بين مكوّناته إلى خلاف، ثم إلى صراع، وأخيراً نحو هاوية «حروب» الإلغاء.

هذا جزء لا يتجزأ من الهوية في هذه المنطقة الصغيرة من المشرق العربي… منذ كانت «مدناً – دويلات»، مروراً بتحوّلها إلى «كونتيات»، فإقطاعات، فـ«حالة خاصة» من الإدارة الذاتية تحت الإشراف الدولي – كحال «المتصرفية»، ووصولاً إلى الصفقة المرسومة حدودها ضمن أطر اتفاقيات دولية أكبر بكثير من عشائرية الصغار، وإن كانت هذه الاتفاقيات قد استغلتها واستثمرت فيها وتاجرت بها… ولا تزال.

الحقيقة، أن العشائريين الصغار لم يستيقظوا فجأة من سُبات المناكفة والكيد والتعصب المريض والحقد الوقح. كذلك، لم تطرأ تغيّرات جوهرية على صعيد المفاضلة بين أشخاص توكل إليهم مهمة تشكيل حكومة ستكون مجرد واجهة لـ«أمر واقع» ترغب القوى الإقليمية والدولية الكبرى في التعايش معه وإدارة طموحه. ولقد أثبتت التجارب العملية أن غاية القوى الدولية «المهتمة بلبنان» منصبّة على ترتيب الظروف المواتية لبناء «تفاهمات» تتجاوز حدود كيان هشّ… باتت تكلفة الإبقاء عليه أعلى من المصلحة في بقائه. إذ ما هي الحاجة إلى «وسيط» صغير عندما تتكامل التفاهمات بين الكبار؟ وأي دور يُمكن أن يُوكل إلى وطن تهجره كفاءاته، وتنهار مؤسساته، وتتراكم ديونه، وتنحسر الثقافة والولاءات والمصالح المشتركة بين الذين بقوا على أرضه؟

هذه التساؤلات وغيرها، كان يطرحها كثيرون من اللبنانيين طوال الأشهر الأخيرة في ظل تعقّد أزمة تشكيل الحكومة. ولكن، فجأة، بعدما أعلن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري عزوفه عن محاولة التشكيل، تبدّل المشهد، وانطلقت «أقبية» السياسة و«مطابخ» الإعلام الأمني و«التوجيه المشبوه» في حملات التسريب والتضليل والترشيح والإيحاء.

فجأة، فتح «بازار» أسماء «مرشحة» لتولي رئاسة الحكومة، وكأن المشكلة في قلة المؤهلين لا سلطات الرئيس، أو حقه في اختيار فريقه، أو هامش الحرية المتاح له كي يجوز الحكم على أدائه… وفق مبدأ الثواب والعقاب.

صارت الغاية تشجيع كل مَن هب ودب من «المسترئسين» على طرح نفسه، في محاولة لـ«استهلاك» أي مرشح لشغل المنصب، والاستخفاف بمرجعيته المذهبية والازدراء بصلاحياته. وهذا، كي لا نقول بالدستور، الذي يتعامل مع رئيس الحكومة كـ«رئيس حكومة» تمثل مجتمعة (بمسيحييها ومسلميها) السلطة التنفيذية في البلاد.

بعدها، بدأت الألاعيب التكتيكية بين عدد من الأفرقاء للتموضع والتأهب لكل الاحتمالات التفصيلية عندما يرسو التكليف على شخصية سنّية.

ما يُسمى «الثنائي الشيعي» الذي أتاحت له حاجته إلى التضامن المذهبي للمحافظة على حد أدنى من أشكال وحدة الصف، اختار التعامل الهادئ. ذلك أن شقه المعتدل صاحب المنظور العربي لهوية الشيعة ودورهم، أي حركة «أمل» برئاسة الرئيس نبيه برّي، كان دائماً حريصاً على منع الشرخ الكبير مع الشريك السنّي ومع هوية لبنان ومصالحه العربية. ولهذا السبب كانت «أمل» ولا تزال قليلة الثقة بـ«التيار الوطني الحر»، أبرز رموز الغلو المسيحي. وبالفعل، حرص برّي دائماً على التفاهم مع الممثلين الأقوى للمكوّنين السنّي والدرزي.

ثم إن حتى «حزب الله»، صاحب الولاء الإيراني المطلق، ورغم انجرافه بمخططات طهران الأوسع لمستقبل المنطقة و«حلف الأقليات»، لم يجد نفسه مضطراً لمجاراة العونيين في حربهم الضروس على القيادتين الفعليتين السنّية والدرزية، والوقوف في الصف الأمامي لتلك الحرب. ولهذا، السبب تحاشى الحزب حتى الآن استفزاز الشارع السنّي، مجاناً، بترشيح أحد أتباعه من السنة لرئاسة الحكومة.

مع فقدان الغطاء الشيعي، تقلصت خيارات العونيين ورئيسهم – الذي هو رئيس الجمهورية – في مواصلة المواجهة والتصعيد، وانتقلت اللعبة إلى «سيناريو» آخر مزدوج المضمون يقوم على عنصرين: المظلومية والتعطيل. وبمجرّد ارتفاع أسهم ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي للعودة إلى رئاسة الحكومة، أعلن العونيون أنهم لن يدعموا ميقاتي «مرشح أميركا» (!)، بل تأييد الدكتور نواف سلام «العروبي»، غير المرشح أصلاً… والرجل الذي يعرف العونيون جيداً أن «حزب الله» وضع عليه «فيتو» في الماضي.
حقيقة الأمر أن فريق رئيس الجمهورية وتياره لا يريدان ميقاتي، لأنه: أولاً، ربط موافقته على قبول التكليف بشروط تحول تعريضه إلى ما تعرّض له الحريري من ضغوط وابتزاز. وثانياً، لأنه من «تجمع» رؤساء الحكومات السابقين (مع الحريري وتمام سلام وفؤاد السنيورة)، الذي تضامن مع الحريري، ضد تهجمات العونيين وإصرارهم على نسف «اتفاق الطائف».
أكثر من هذا، يريد العونيون العودة إلى ادعاء «المظلومية» وشدّ العصب المسيحي، في مزايدة مكشوفة على حزب «القوات اللبنانية» الداعي لانتخابات مبكرة. والحال، أن التيار العوني، الذي لولا تحالفه مع «حزب الله» لما وصل مؤسسه لرئاسة الجمهورية، يريد القول لقاعدته إنه يتعرّض للاستهداف من تحالف مسلم (سني – شيعي – درزي) عريض غايته إضعاف مقام الرئاسة… وبالتالي، المسيحيين.

هذه محاولة بسيطة لفهم حسابات اللاعبين المحليين، لكنها لا توضح إلا جزءاً من الصورة. إذ إن العنصر الأهم الذي عجّل في تغيير المشهد، وأعاد تشغيل محرّك تشكيل الحكومة هو تفاهم دولي أبرز أطرافه الولايات المتحدة وفرنسا.

واشنطن وباريس المنهمكتان بتفاصيل الملف الإقليمي، وفق حسابات أكبر وأشمل، تضم حساباتهما:

أولاً، سقف الدور «المقبول» لإيران المتمددة داخل المشرق العربي، وحجم الهامش المتروك لها في عرض عضلاتها عبر حدوده وممراته المائية.
وثانياً، مصلحة إسرائيل المركزية، التي تتقاطع في العديد من المحطات مع مصالح إيران… وهذا أمر ما عاد سراً خفياً على أي مراقب حصيف.

وثالثاً، دور تركيا بحلتها «الإردوغانية» ومطامحها الأرضية والبحرية، بجانب مصالحها الثقافية والاقتصادية والدينية.

وهكذا، فإن الفوضى اللبنانية، إذا ما استمرت على ما هي عليه الآن، قد تتحوّل إلى شبه دمّل مسموم يهدد تفجّره بتفشي سمومه في محيطه. وعودة إلى موضوع «الكلفة»، صارت كلفة انفجار لبنان وانهياره باهظة لدرجة أعلى بكثير من كلفة إدارة أزمته واحتوائها بالتي هي أحسن.

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية،سعر صرف الدولار في لبنان, Dollar exchange rate in Lebanon, سعر الدولار اليوم في لبنان, Today's dollar rate in Lebanon, أسعار الدولار في السوق السوداء, Black market dollar rate in Lebanon, سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء, Today's black market dollar exchange rate in Lebanon, سعر الدولار الرسمي في لبنان, Official dollar rate in Lebanon, توقعات سعر الدولار في لبنان, Dollar price forecast in Lebanon, سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية, Dollar to Lebanese pound exchange rate, أسعار الدولار في لبنان لحظة بلحظة, Dollar rates in Lebanon live updates, سعر الدولار المصرفي في لبنان, Bank dollar rate in Lebanon, الدولار مقابل الليرة اللبنانية السوق السوداء, Dollar to Lebanese pound black market rate, سعر الدولار الآن في لبنان, Current dollar rate in Lebanon, تحويل الدولار إلى الليرة اللبنانية, Convert dollar to Lebanese pound, تأثير سعر الدولار على الاقتصاد اللبناني, Impact of dollar rate on the Lebanese economy, سعر الدولار في الصرافين, Dollar rate at money exchangers in Lebanon, استقرار سعر الدولار في لبنان, Stability of dollar rate in Lebanon, ارتفاع سعر الدولار في لبنان, Dollar rate hike in Lebanon, سعر صرف الدولار لحظة بلحظة, Live dollar exchange rate in Lebanon, تغيير سعر صرف الدولار في لبنان, Dollar exchange rate fluctuations in Lebanon, الدولار الجمركي في لبنان, Custom dollar rate in Lebanon, السوق الموازية لسعر الدولار في لبنان, Parallel market dollar rate in Lebanon, سعر الدولار المصرفي الرسمي, Official bank dollar rate in Lebanon, شراء الدولار في لبنان, Buying dollar in Lebanon, بيع الدولار في لبنان, Selling dollar in Lebanon, تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار, Convert Lebanese pound to dollar, سعر الدولار على منصة صيرفة, Dollar rate on Sayrafa platform, توقعات السوق السوداء للدولار في لبنان, Black market dollar forecast in Lebanon, أفضل سعر للدولار في لبنان, Best dollar rate in Lebanon, أخبار سعر الدولار في لبنان, Dollar rate news in Lebanon, سعر صرف الدولار اليوم في البنوك اللبنانية, Today's dollar exchange rate in Lebanese banks, سعر الدولار مقابل اليورو في لبنان, Dollar to euro rate in Lebanon

تحديث سعر صرف الدولار اليوم

سعر صرف الدولار الآن اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للدولار في السوق السوداء لمتابعة التحديث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *