موجة جديدة من التضخّم: نصف رفعٍ للدعم لا ينهي أزمة المحروقات

كتب إيلي الفرزلي في “الأخبار”:

قضت التسوية بأن يؤجّل رفع الدعم عن المحروقات حتى نهاية أيلول. وإلى ذلك الحين، تقرر التسعير على أساس سعر 8000 ليرة للدولار. القرار، بالرغم من أنه وُضع في خانة حماية الفئات الشعبية من التداعيات القاسية لرفع الدعم، إلا أنه سيخلق موجة جديدة من التضخم، من دون أن يؤدي إلى انتهاء أزمة المحروقات. فالأزمة باقية طالما أن السعر سيرتفع مجدداً، وطالما أن مصرف لبنان ليس مستعداً لتأمين حاجة السوق

في عطلة نهاية الأسبوع، حُلّ الخلاف بين رئيسَي الجمهورية والحكومة من جهة، وبين مصرف لبنان من جهة أخرى، بشأن رفع الدعم عن المحروقات. والحل أوحى ظاهرياً بأن الطرفين حصلا على مُرادهما. فلا حاكم مصرف لبنان تراجع عن قراره فتح الاعتمادات على سعر «صيرفة»، ولا رئيس الجمهورية تراجع عن رفضه بيع البنزين على سعر «صيرفة». ما حصل أنه تم ابتكار سعر جديد لدولار المحروقات هو 8000 ليرة، سيحدد سعر المبيع للمستهلك على أساسه، على أن تتحمل الدولة، من ميزانيتها، الفارق بين هذا السعر وبين سعر «صيرفة» الذي يحدده مصرف لبنان لفتح الاعتمادات. وعليه، فقد تقرر فتح اعتماد استثنائي من موازنة عام 2022 لتغطية هذا الفارق المقدر بـ 8000 ليرة كمعدل وسطي عن كل دولار (تردد أن السعر الوسطي للدولار على منصة «صيرفة» سيكون 16 ألف ليرة). لكن حتى هذه الآلية التي تفرض زيادة على سعر البنزين تقدر بـ 66 في المئة ستكون محدودة زمنياً ومالياً. فالقرار الذي صدر بعد اجتماع بعبدا، يربط الدعم بنهاية أيلول وبمبلغ حده الأقصى 225 مليون دولار يُخصص للدعم (حل وسط بين مطالبة سلامة بأن يكون المبلغ 200 مليون دولار ومطالبة رئيس الحكومة بأن يكون 250 مليوناً)، علماً بأن هذا المبلغ ليس محصوراً بفتح اعتمادات المحروقات، بل سيشمل أيضاً تغطية حاجات الصيانة لمعامل الكهرباء ومقدمي خدمات الكهرباء، والتي سبق أن رفض مصرف لبنان تغطيتها في الفترة السابقة، ما أدى إلى توقف معملَي الزوق والجية عن العمل وتراجع أعمال الصيانة في المعامل وفي المحطات.

الحل المؤقت الذي تم التوصل إليه سيؤدي إلى تأخير رفع الدعم حتى نهاية أيلول، فيما لن يكفي المبلغ المتفق عليه لأكثر من استيراد عشر شحنات (معدل سعر الشحنة 20 مليون دولار) يفترض أن تفتح اعتماداتها خلال خمسة أسابيع، أي بمعدل باخرتين أسبوعياً. وبالرغم من أن المُعلن أن مطلب تأخير رفع الدعم بالكامل مرتبط بالسعي إلى إطلاق عمل البطاقة التمويلية قبل ذلك، إلا أنه كان لافتاً أن القرار الذي صدر لم يربط بين رفع الدعم وإنجاز البطاقة. وقد علمت «الأخبار» أن سلامة رفض هذا الربط في الاجتماع، تحسباً لتأخير إطلاق البطاقة.
بالنتيجة، صدر القرار، فهل هذا يكفي لإنهاء طوابير البنزين وإنهاء تقنين المولدات؟ والأهم، هل يمكن للحكومة أن تنجز البطاقة قبل رفع الدعم هذه المرة، أم أن الأزمة الحالية ستتجدد نهاية أيلول؟ الأكيد أن الأزمة لن تحل، فطالما أن المستهلك أو التاجر يدرك أن السعر سيعود إلى الارتفاع مجدداً، وطالما أن مصرف لبنان لن يفتح الاعتمادات بحسب حاجة السوق، فإن الطلب سيبقى مرتفعاً، ما يعني عملياً بقاء الطوابير على حالها، كما ستبقى عمليات التخزين مستمرة، علماً بأن لا أحد يضمن أن يستمر الدعم حتى نهاية أيلول، فالتجربة تشير إلى أن قرار الدعم على سعر 3900 ليرة للدولار كان يفترض أن يستمر حتى نهاية أيلول، لكن مصرف لبنان ارتأى توقيف فتح الاعتمادات بحجة نفاد الدولارات لديه. وهو ما يمكن أن يتكرر مجدداً. لكن مصادر مطلعة، تعتبر أن المصرف هذه المرة سيحصل على الدولارات من السوق، وبالتالي لن يكون هنالك إشكالية تتعلق بالوصول إلى حدود الاحتياطي الإلزامي. لكن إذا كان المصرف قد راهن على سحب الليرات من السوق في حال فتح الاعتمادات على سعر «صيرفة»، بما يؤدي، بحسب مصادره، إلى تخفيف الطلب على الدولار، وبالتالي تخفيض سعره، فإن الإجراء الأخير سيؤدي إلى سحب نصف الكمية التي كانت متوقعة، طالما أن النصف الآخر سيسجل على الورق ديوناً على الدولة. وقد يضطر المصرف عندها إلى ضخّ الأموال مجدداً لشراء الدولارات (إذا لم يؤمنها من مصادر أخرى). وبالتالي، فإن الخشية الحقيقية ستكون من زيادة الضغط على الدولار ورفع سعره مجدداً.

مديرية النفط تُصدر تسعيرة ثم تدعو إلى عدم الالتزام بها!

الاتفاق الذي نفذ في بعبدا سرعان ما تحوّل إلى قرار حكومي استثنائي نافذ، تبعه أمس قرار من مديرية النفط في وزارة الطاقة ينص على تعديل سعر المحروقات لتصبح على الشكل الآتي: سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان 133200 ليرة (زيادة 67 في المئة)، بنزين 95 أوكتان 129000 ليرة (زيادة 66 في المئة)، مازوت 101500 (زيادة 73 في المئة) وقارورة الغاز 90400 ليرة (زيادة 50 في المئة). وفيما كان يتوقع أن تبدأ المحطات بالبيع على السعر الجديد، التزاماً بالتسعيرة الرسمية، أصدرت المديرية بياناً ملحقاً دعت فيه الشركات النفطية والمحطات والموزعين إلى بيع مخزونهم استناداً إلى جدول 11 آب الماضي، أي وفق الأسعار المستندة إلى سعر 3900 ليرة للدولار. وقد خلق هذا القرار بلبلة في الأسواق، إذ لم يعرف مبرر إصدار قرار رفع السعر يوم الأحد، طالما أن المديرية عادت وطلبت عدم الالتزام به، وخاصة أن الشركات لم توزع المحروقات أمس، وبالتالي فإن المتاح للبيع هو حصراً المخزون المتوفر عند المحطات. تجربة نقل الدعم من 1500 ليرة إلى 3900 ليرة لا تزال ماثلة. حينها كانت المديرية تدرك أنها لن تكون قادرة على مراقبة التزام المحطات (ليس من اختصاصها). ولذلك لم تطلب طلباً مشابهاً، بل عمدت إلى تجفيف السوق قدر الإمكان، من خلال الانتظار لأيام قبل إصدار جدول الأسعار. وبالتوازي، كانت قد عمدت إلى كيل مخزون الشركات، عبر الجمارك، لإجراء المقاصة بينها وبين مصرف لبنان. لكن أما وأن المديرية ذهبت إلى قرار من هذا النوع، فإن ترجمته في السوق ستعني أن محطة تملك مخزوناً يفترض أن تبيع على سعر 75 ألف ليرة للصفيحة، فيما المحطة التي قد تكون إلى جانبها لكنها اشترت البنزين على السعر الجديد سيحق لها أن تبيعه وفق التسعيرة الجديدة! أضف إلى أنه لن يكون واضحاً كيف سيتم التعامل مع من يملك مخزوناً ثم يضيف إليه كميات جديدة على السعر الجديد، ومن دون أن يُعرف كيف يمكن مراقبة كل هذه العملية. باختصار، لم تكن الفوضى تنقص سوق المحروقات حتى تسببت مديرية النفط بفوضى إضافية، علماً بأن الأسعار الجديدة، وإن وضعت على الموقع الإلكتروني للوزارة، إلا أنها لم تنشر بالطريقة التقليدية، بل نشرت ضمن بيان (ضم البيانين اللذين صدرا أمس) يكتفي بتحديد سعر المبيع للمشتقات النفطية من دون توضيح تركيب السعر. فلم يعرف إذا زادت حصة المحطات أو إذا زادت كلفة النقل… أضف إلى أن البيان لم يكن موقّعاً من أحد، ولم يحصل على رقم قرار، فيما درجت العادة أن يصدر الجدول بقرار عن وزير الطاقة وموقّع من قبله.
وإذا كانت أغلب المحطات أمس مقفلة، فإن أحداً من المعنيين لم يعرف لماذا لم تنتظر الوزارة إلى الاثنين لإصدار جدول أسعار رسمي، بل عمدت إلى إصدار بيان مرتبك يوم الأحد. مصادر معنية أشارت إلى أن ذلك خضع للنقاش في بعبدا، لكن الأكثرية كانت مع إصدار قرار فوري، بحجة منع المحطات من إغلاق أبوابها في وجه المستهلكين. لكن ما حدث كان العكس، فقد أقفلت الأغلبية الساحقة من المحطات، فيما باعت المحطات التي فتحت أبوابها وفق الأسعار الجديدة (ما لم تكن قد فُتحت بالقوة العسكرية). لكن الأسوأ أن أولى نتائج اتفاق بعبدا كان رفع سعر الصفيحة في السوق السوداء، التي بدأت بدورها تأخذ طابعاً منظماً. وقد أفاد مشترون بأن السعر ارتفع من 450 ألف ليرة للصفيحة إلى 650 ألفاً، فهل ستستمر السوق السوداء بازدهارها، أم أن بداية تنفيذ القرار قد تشهد بعض الانفراجات؟ بحسب المعلومات، فإن باخرتين راسيتين أمام الشاطئ اللبناني ستفرغان مخزونهما، بمجرد فتح الاعتمادات الجديدة، على أن تليهما شحنات إضافية. ولذلك، فإن الرهان سيكون على إمكانية فتح جميع المحطات أبوابها، وخاصة أنه يتوقع أن تلتزم جميع المحطات بالسعر الجديد ابتداءً من اليوم، في ظل توقعات بأن يصدر جدول الأسعار حسب الأصول اليوم أيضاً.
اللافت أن القرار مهما كان تأثيره على سوق المحروقات، فإنه سينعكس على كل القطاعات الأخرى، بشكل يزيد إرهاق الناس. رفع المحروقات بمعدل 66 في المئة يعني أن كل الأسعار سترتفع بشكل مضاعف، طالما أن الرقابة معدومة والجشع مستحكم. ولذلك، فإن الاتفاق الذي أريد له أن يكون وقعه مخفّفاً على الناس إلى حين إصدار البطاقة التمويلية، سيكون تأثيره قاسياً على أغلب الفئات الشعبية، في غياب أي شبكة أمان اجتماعي تسمح لهم بتجنب التداعيات الخطيرة لرفع الأسعار، والذي يتوقع أن يطال أساسيات المعيشة.

غجر يفاوض على الغاز المصري
نُقل عن وزارة الطاقة وجود تطورات مهمة في موضوع استجرار الغاز المصري. ومن هذا المنطلق، طلب وزير الطاقة ريمون غجر تفويضاً رسمياً من الحكومة للتفاوض بشأن «تفعيل تنفيذ اتفاقيات استجرار الغاز مع مصر لزوم تشغيل معامل الكهرباء بما فيه التفاوض على أي بنود تعديلية» (اتفاقية الاستجرار كانت قد وقّعت في عام 2009، ومدّتها 15 عاماً، لكنها توقفت بعد عام). وبالفعل، أفاد الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية، في مذكّرة صدرت في 17/8/2021، بأن رئيسَي الجمهورية والحكومة وافقا على مباشرة وزارة الطاقة بالتفاوض مع الجانب المصري تمهيداً للإبرام وفقاً للأصول المنصوص عليها في المادتين 52 و65 من الدستور (أصول عقد المعاهدات الدولية وإبرامها وإصدارها).

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *