اليوم بدأت الأزمة… ومقبلون على كارثة

رغم كل التغييرات التي طرأت على حياة اللبناني في السنتين الماضيتين، والتي دفعته الى تبديل نمط عيشه والحد من استهلاكه قدر المستطاع، لا يمكن القول ان صورة المجتمع اللبناني الجديد اتخذت شكلها النهائي بعد، إذ على رغم رفع الدعم عن غالبية السلع والخدمات لا يزال البعض منها متوفراً والبعض الآخر مدعوماً، الا انّ الاكيد هو انّ صورة المجتمع والوطن تميل لتشبه أكثر البلدان الفقيرة ومحدودة الاستهلاك.

شَكّل رفع الدعم عن المحروقات وما تَبعه من ارتفاع كلفة النقل منعطفاً مفصلياً في حياة اللبناني، ولا شك انّ الدعم الذي ساد خلال العام 2020 ومنتصف 2021 ساعدَ اللبناني المصدوم من التغييرات المتسارعة في نمط حياته، لاستيعاب تدريجي للأزمة المتجهة اليها البلاد، والاكيد انّ هذا التدهور المخيف والصورة القاتمة للوضع في لبنان دفع بالآلاف الى الهجرة تجنّباً للأسوأ، إذ تشير احصاءات الدولية للمعلومات الى أنّه «منذ بداية عام 2021 وحتى شهر أيار منه، غادر لبنان 100 ألف و201 شخص، وخلال الأشهر الأخيرة، أي حزيران وتموز وآب وأيلول، غادر 47 ألف شخص لبنان»، مع توقّع ارتفاع أعداد الأشخاص المغادرين خلال الأشهر المتبقية من هذا العام».

ومع ارتفاع اسعار المحروقات، مِن رفع الدعم كلياً عن المازوت، تلاه الغاز المنزلي الذي رفع سعر القارورة الى 260 الفاً، الى صفيحة البنزين التي قاربت الـ250 الفاً وتتجه الى مزيد من الارتفاع، تقيّدت حركة المواطن الذي بات يخرج من منزله للضرورات القصوى فقط ويستهلك حاجته وأقلّ. هذا التدهور المَعيشي قابَله عودة الى الطهي على الحطب، وإقبال على استخدام الالواح الشمسية لتأمين الكهرباء والاستغناء عن كهرباء الدولة واصحاب المولدات والمازوت على السواء، وإقبال على شراء السيارات الصديقة للبيئة او السيارات الصغيرة بمصروف بنزين اقل والتخلي عن السيارات الكبيرة… كل هذه الأكلاف باتت تُثقل كاهل المواطن، فبعدما كانت فاتورة المحروقات لا تتعدى الـ20% من حاجة المواطن الشهرية على ان يستعمل الـ 80% الباقية للاستهلاك، إنعكس الوضع اليوم بحيث باتت فواتير المحروقات والمولّد تشكل نحو 80% من إنفاق الأسَر ليبقى 20% فقط للاستهلاك، خصوصاً المواد الغذائية.

أمّا مَن كان مدخوله بالدولار وكان لا يزال يصرف على اعتبار ان لبنان بلد «كل شيء فيه رخيص» ولديه فائض من الاموال اذا ما احتسبت الاسعار وفق دولار السوق، فقد تأثر مصروفه ايضاً بعدما رُفِع الدعم عن العدد الاكبر من السلع والخدمات، والتي تأثّرت أسعارها خصوصا برفع الدعم عن المحروقات، بحيث يمكن القول انّ السوق بدأت تشهد تصحيحاً في الاسعار ليعود التسعير شبيهاً بالذي كان سائداً في العام 2019 اذا ما احتسبت الأسعار وفق دولار السوق الموازي.

كل هذا التدهور في القدرة الشرائية يحصل، رغم انّ بعض السلع لا تزال مدعومة، مثل الطحين وبعض الادوية والمستلزمات الطبية وجزء من سعر البنزين يُضاف اليها الدولار الجمركي، والاتصالات خدمات الدولة والكهرباء. ولا يزال الاستيراد مُتاحاً للتجار، ولو بكميات أقل، فكيف سيصبح الحال بعد رفع الدعم عن كل شيء وهو احد شروط صندوق النقد الدولي؟ لا شك انّ الانتقال الى تلك المرحلة وحده سيكمل صورة المشهد اللبناني الجديد.

في هذا الاطار، يقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ«الجمهورية»: ان توزيع إنفاق المواطن يختلف من فرد الى آخر، الّا انّ المحروقات باتت تستحوذ على ما بين 55 الى 60% من دخل الأسَر تُضاف اليها فاتورة المولد المرتفعة. وعليه، ما عاد هناك اي قدرة للانفاق عند اللبناني بحيث بات راتبه يوزَّع ما بين بنزين وغاز وتلفون ومازوت ومولد ولا يكفيه ما يضطره الى الاستدانه. واعطى على سبيل المثال مواطن من طرابلس يعمل في بيروت ويقصدها يومياً يحتاج الى مليون و600 الف ليرة شهرياً بدل مواصلات، وإذا كان راتبه مليونين ليرة فهذا يعني انّ 80% مِن دَخلِه يذهب لتسديد فاتورة النقل.

واعتبر شمس الدين ان الضائقة بدأت منذ سنتين، الا ان المواطن كان يصرف من مدّخراته ليعيش، وكُثُر أقدموا على بيع الذهب مع العلم انّ ارتفاع الاسعار كان لا يزال مقبولاً في تلك المرحلة، انما اليوم تبدلت الاحوال حتى يمكن القول ان الأزمة الفعلية بدأت اعتباراً من شهر حزيران مع انتهاء مدّخرات اللبنانيين من جهة، وبدء رفع الدعم عن المحروقات من جهة اخرى ما أدّى الى ارتفاع اضافي في اسعار السلع متأثرة بارتفاع كلفة النقل. والسلة الغذائية التي كانت تكلّف 450 الفاً ارتفعت الى 3 ملايين ونصف المليون ليرة. وبالتالي، بات المستهلك مُجبراً على تحديد اولوياته لدى الشراء. الآن بدأت الأزمة.

ورداً على سؤال، قال شمس الدين: ما من شيء مدعوم سوى الكهرباء والاتصالات والخدمات التي تقدمها الدولة ومتى رفع الدعم عنها ستزيد المشكلة تعقيداً، لافتاً الى ان عاملاً وحيداً لا يزال يهدئ الامور وهو التحويلات المالية التي تصل الى اللبنانيين من ذويهم المغتربين، فاستلامهم 200 دولار شهرياً الى جانب مدخولهم بالليرة اللبنانية يكفيهم للصمود.

تابع: حتى الذين يقبضون رواتبهم بالدولار او يستلمون مساعدات من الخارج تأثروا بالأزمة، إنما أقل من الذين يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانية.

ويرى شمس الدين اننا مقبلون على كارثة اذا لم يتم لجم ارتفاع الدولار مقابل الليرة، فالتسعيرة الاخيرة لصفيحة البنزين أتت وفق دولار 16 الفاً، لكن متى سُعّرت وفق دولار 20 الفاً فنحن نتحدث عن سعر صفيحة قد يتخطى الـ 300 الف ليرة، ناهيك عن ارتفاع سعر برميل النفط عالمياً. وعزا حركة السيارات الناشطة في الطرقات رغم ارتفاع اسعار المحروقات الى لجوء آلاف المواطنين في المرحلة السابقة وقبَيل الحديث عن رفع الدعم الى تخزين البنزين في منازلهم عندما كان لا يزال سعر الصفيحة بـ77 الفاً، وهؤلاء لا يزالون حتى الان يصرفون من مخزونهم ولم يشتروا بعد وفق التسعيرة الجديدة. وتوقّع ان تتقلص حركة السير على الطرقات بعد أسبوعين، مع مُشارَفة هذا المخزون على الانتهاء.

المصدر: الجمهورية – ايفا ابي حيدر

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *