تفاهم بين ممثّلي أصحاب العمل والعمّال برعاية السلطة

في الجلسة الثالثة للجنة المؤشّر، لوحظ تعديل نسبي في لهجة وزير العمل مصطفى بيرم تجاه أصحاب العمل، لكنه ليس كافياً للحسم في تصحيح الأجور، طالما أن ممثلي هؤلاء مصرّون على تسمية التصحيح بـ«مساعدة اجتماعية» للتهرّب من القوانين التي تلزمهم باعتبارها زيادة في الأجر تُسدّد عنها الاشتراكات للضمان، وتُحتسب في تعويضات نهاية الخدمة. استخدم أصحاب العمل، مناورة في سبيل غايتهم هذه بمساعدة ممثلي العمال وبرعاية قوى السلطة، تنطلق من منع لجنة المؤشّر من تأدية وظيفتها في احتساب غلاء المعيشة وتثبيته كحق مكتسب للعمال.

انعقدت أمس الجلسة الثالثة للجنة المؤشّر. هذه المرّة طلب وزير العمل مصطفى بيرم حضور ممثلين عن الضمان الاجتماعي لإظهار تهرّب أصحاب العمل من التصريح عن العاملين لديهم والغشّ في التصريح عن أجورهم. وافتتح الجلسة بالحديث عن اتفاقيات العمل الدولية التي تحمي العاملين بأجر وحقوقهم المكتسبة من محاولات تسلّط أصحاب العمل، مشيراً إلى أن القانون يحصر وظيفة لجنة المؤشّر بتحديد غلاء المعيشة ودرس سياسة الأجور. بهذا المعنى، قصد بيرم الإشارة إلى أن الاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى القوانين الداخلية، تحمي الحقوق المكتسبة للعمال بما فيها تعويضات نهاية خدمتهم وحقوقهم الأخرى مثل الضمان الصحي وسواها، وأنه لن يوافق على مطلب أصحاب العمل بإعفاء الزيادات على الأجور من احتسابها خارج الأجر لأن هذا الأمر يحرم العمال من الحقوق المكتسبة في الضمان الاجتماعي، وتحديداً في صندوقَي المرض والأمومة الذي يموّل التغطية الصحية للعاملين، وصندوق نهاية الخدمة الذي يموّل تعويضات العمال عند انتهاء خدمتهم أو التقاعد.
في الواقع، محور المعركة الشرسة التي يقودها أصحاب العمل، ويمثّلهم في اللجنة رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس المشهور بـ«أبو رخوصة»، تستهدف منع احتساب أي زيادة على الأجور في تعويض نهاية الخدمة، ونسف فكرة التصريح عنها للضمان الاجتماعي. لذا، يصرّ شماس ومعه حفنة من أصحاب العمل، على تسميتها «مساعدة اجتماعية» تهرّباً من إدراجها كزيادة على الراتب، رغم أنها تأتي في سياق انهيار وتضخّم وركود غير مسبوق في تاريخ لبنان. هذا النقاش الذي كان دائراً أمس كما في الجلستين السابقتين. ففي سبيل تحقيق هدفهم، نفّذ أصحاب العمل مناورة لمنع أي نقاش يتعلق بتحديد نسب التضخّم وغلاء المعيشة. ولم يُتح للخبراء الذين حضروا الجلسة (خبير مستقل معيّن من الوزير، وخبراء من الجامعة اللبنانية ومن مؤسسة عامة معنية) تقديم أي مقاربة متصلة بالتضخّم وغلاء المعيشة، أو تقديم أي رقم أو أي رأي بهذا الخصوص، بل جلسوا متفرّجين على المفاصلة السوقية المفتوحة حول رقم الزيادة على الأجور، والسقوف التي ستحصل عليها والسقوف التي ستحرم منها، وفق مصدر مطلع.

 

 

ورغم أن محاضر اللجنة ليست حكماً مبرماً، إلا أنها ستثبّت حقوق العمال في الانتفاع من مكاسبهم من أي زيادة على الأجور. لكن هيئات أصحاب العمل، ومن اللحظة الأولى التي دعيت فيها اللجنة إلى الانعقاد بعد غياب خمس سنوات، باشروا بتشويه المفاهيم والقوانين التي تحدّد وظيفة اللجنة، مشيرين إلى أن في نيّتهم تقديم «مساعدة اجتماعية» لا تصحيحاً للأجور. وفي هذا الإطار، انزلق النقاش نحو قيمة المساعدة وسقوفها.
وبرزت في الجلسة الثالثة الاقتراحات الآتية:
ــــ زيادة الأجور بقيمة مقطوعة تبلغ مليوناً و325 ألف ليرة لغاية سقف 4 ملايين ليرة، أي أن من يكون راتبه 3.5 ملايين ليرة، فإن حدّه الأقصى 4 ملايين، وبالتالي سينال الزيادة الكاملة من هم أقلّ من مليونين و675 ألف ليرة.
ــــ تجزئة الزيادة على بدل النقل إلى 65 ألف ليرة للأجور التي تفوق 4 ملايين ليرة، و130 ألف ليرة للأجور التي تقلّ عن 4 ملايين ليرة.

 

بعد المفاصلة، وافق أصحاب العمل على زيادة الأجور ضمن حدّ أقصى يبلغ 3 ملايين ليرة، وعلى زيادة بدل النقل بقيمة 100 ألف ليرة ضمن هذا السقف وزيادة 65 ألف ليرة لمن راتبه يفوق هذا السقف. وقد أوضح شمّاس أن أصحاب العمل يرفضون كلياً احتساب هذه الزيادات على الأجور في تعويضات نهاية الخدمة للعمال لأنها «مساعدة اجتماعية». عندها، واجهه المدير العام للضمان الاجتماعي محمد كركي بأن نسب التهرّب لدى أصحاب العمل من التصريح عن العاملين وأجورهم الحقيقية كبير جداً، فردّ شمّاس بأنه يمثّل المؤسسات النظامية وبأن الضمان عليه أن يقوم بواجباته في ملاحقة المتهرّبين. وأشار أيضاً إلى أن موضوع الضمان ليس ضمن مجال البحث في لجنة المؤشّر. وتلقّى شماس مساندة من رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد الذي كان ولا يزال يمثّل أصحاب العمل، إذ أشار إلى أن الأمر غير مستجدّ لأن «أصحاب العمل يتهرّبون منذ فترة طويلة من التصريح عن الأجور، وهم يدفعون «برّاني» للعمال».

في هذا الجوّ، بدا للحظة أن الجميع متفقون على وجود التهرّب بالتوازي مع السكوت عنه. فالعمال، مثلهم مثل ممثلي الضمان، سكتوا عن هذا الأمر بشكل مخجل، ورغم أن شمّاس محقّ في اتهام الضمان بالتقصير في ملاحقة المؤسّسات المتهرّبة، إلا أن طلبه بحذف نقاش مسألة «التهرّب» من لجنة المؤشّر، كان يستوجب تذكيره بما قاله بيرم في مستهل اللجنة عن القوانين التي لا يمكن التهرّب منها والتي توجب دراسة غلاء المعيشة في لجنة المؤشّر لا «المساعدة الاجتماعية». فما يقع في الموقع الصحيح للجنة هو دراسة تصحيح الأجور وليس «المساعدة الاجتماعية». إلا أن المجتمعين، بدلاً من تذكير شمّاس وعربيد بذلك، انخرطوا في حفلة المفاصلة السوقية حول قيمة المساعدة وأيّ شرائح أجور يجب أن تطالها، علماً بأن نقاشهم هذا يأتي بعد تفاهمات خارج اللجنة بين أصحاب العمل وممثلي الاتحاد العمالي العام في مكتب الرئيس نجيب ميقاتي.
على أي حال، يستند أصحاب العمل في تسويق مفهوم «المساعدة الاجتماعية» إلى مقاربة أطلقها وزير العمل عن مسارَين لتصحيح الأجور: أولهما إنقاذي سريع، والثاني مستدام. المشكلة في مقاربة الوزير أنها تمنح أصحاب العمل ورقة تفاوضية قوية، رغم موقفهم الضعيف تجاه القوانين. فرغم أن اللجنة قد تتفق على عدم احتساب «المساعدة الاجتماعية» في تعويضات الضمان، إلا أن قانون الضمان يفرض اعتبارها أجوراً خاضعة للاشتراكات في الفروع الثلاثة: ضمان المرض والأمومة، التعويضات العائلية، تعويضات نهاية الخدمة. فأيّ دخل مستمرّ لأيّ عامل لا يمكن اعتباره مساعدة، بل يدخل في صلب الأجر.
وهذا المفهوم ليس مجرّد فكرة عابرة، بل هو مثبت في الأحكام القضائية. فعلى سبيل المثال، يشير القرار الرقم 143 الصادر عن محكمة التمييز ــــ الغرفة الثامنة مدنية في 17/9/1997، إلى أن «اعتبار التعويضات والعائدات النقدية والعينية التي تتّسم بطابع العمومية، والاستمرارية، والثبات، هي التي يجب إضافتها إلى الأجر الأساسي لحساب تعويضات نهاية الخدمة وما يرافقها من تعويضات منصوص عليها قانوناً». بهذا المعنى، فإن مقاربة أصحاب العمل في تسمية زيادة الأجور بـ«المساعدة الاجتماعية» لا معنى قانونياً لها، ولا مفاعيل تستتبعها، إلا في ما تسايرها قوى السلطة عليه. لذا، فأيّ اتفاق في لجنة المؤشر على قضم ونهب الحقوق المكتسبة للعمال هو مخالفة يمكن إبطالها قانوناً، ومن الواجب التصدّي لها وإبطالها. فمهما يسمّيها أصحاب العمل، ستبقى زيادة في الأجور يمكن تثبيتها من خلال تثبيت أرقام التضخّم وغلاء المعيشة. هذه الأرقام تشير إلى أنه منذ مطلع 2019 ولغاية نهاية أيلول الماضي، تضخّمت الأسعار بنسبة 472%. هذه هي الزيادة المستحقة للأجراء التي لا يجب أن تخضع للتفاوض. أما ما يحصل في لجنة المؤشّر من بازار مفاصلة سوقي على قيمة الزيادات المستحقة، فلا يستند إلى أيّ دراسة علمية، ولا إلى القوانين، ولا إلى المنطق أيضاً، بل هو تآمر على حقوق العمال المكتسبة بين ممثلي العمال وممثلي أصحاب العمل، وبرعاية قوى السلطة.

محمد وهبة – الاخبار

عن Majd Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *