يوميّات البؤس اللبناني.. والموت البطيء!

جاء في “الراي” الكويتيّة:

يوميات اللبنانيين أصبحت تزداد فقراً وتعاسة مع طلعة كل شمس. في المشهد العام وفي التفاصيل تبدو الحياة رتيبةً، تحمل من مخلّفات الحروب الكثير من المفردات ومَشاهد البؤس الذي عشعش في البيوت.

مَن عاش الحرب بطولها وعرضها، يستعيد اليوم مآسي محاولة التأقلم مع الحرب (1975 – 1990) في كل وجوهها.

الكهرباء المقطوعة، تخزين الشموع، غالونات البنزين، غالونات المياه، المصعد المتوقف عن العمل وصعود الدرج ونزوله يومياً، إضاءة البيوت ببطاريات السيارات، ولو ساعة واحدة. ومَن لم يعش الحربَ وسمع عنها من عائلته، يعيشها اليوم بنفسه ومن خلال عيونِ الذين يختبرون البؤسَ مجدداً.

يقول أحد الشبان لأهله، وهو يستعدّ للرحيل للعمل في الخارج “كيف تحمّلتم كل بؤس الحرب؟ نريد بلداً لا لنجمع فيه أموالاً، نريد فقط ألا نشغل بالنا بالكهرباء والمياه والإنترنت وشبكة الهاتف”.

لم تَعُد دورة الحياة اللبنانية تبدأ في الصباح وتنتهي عند المساء. صارتْ تبدأ حين تأتي “كهرباء الدولة” وليست تلك التي تؤمّنها مولّدات الأحياء.

تبدأ الحياة في غالبية الأحيان عند منتصف الليل، حين تشتعل كل الأضواء فجأةً في أحد أحياء بيروت، ويبدأ هدير الغسالات في المبنى، وتتصاعد حدة الأصوات.. الراكضات إلى الغسيل والكيّ قبل انقطاع الكهرباء، الراكضون إلى إشغال سخان المياه الكهربائي، إلى التبريد أو التدفئة.

ففي ساعات الليل حيث تزداد التغذية لساعات معدودة، تصير الحياة الليلية صاخبة، لكن ليس في الملاهي والمطاعم التي تقفل باكراً، بل في المنازل التي تحوّل ليلها نهاراً.

في الفجر، يعود الهدوء، الكهرباء انقطعت، والمولّد الكهربائي لن يدور قبل الساعة السادسة. لكن العجقة سرعان ما تدبّ فجأة، الطلاب لديهم وقت قليل لتحضير أنفسهم، والموظّفون كذلك.

الكل في سِباقٍ مع الوقت قبل أن يقرّر صاحب المولّد إطفاءه عند الثامنة صباحاً. فصاحب المولّد يشكو ارتفاع أسعار المازوت، وأن المنازل التي لديها عدّاد لا تصرف كثيراً لتوفير الفاتورة، ومَن ما زال يدفع “مقطوعية” ارتفعتْ فاتورته إلى ما بين مليون ونصف ليرة و3 ملايين ليرة، وبعضهم يمتنع عن الدفع أو يطالب بخفض الاشتراك إلى 3 أمبير بدل 5 أو عشرة.

ولذا جاء الحل بخفض ساعات التغذية بالمولّد، إلى ساعة ونصف ساعة صباحاً، ساعة ونصف ساعة ظهراً وما بين 4 إلى خمس ساعات قبل منتصف الليل.. في هذه الساعات القليلة، لا تخرج الأمهات غير العاملات من المنزل، من أجل تأمين كل المتطلبات “الكهربائية”: تشريج الهاتف والكمبيوتر وبطارية الإنترنت.

وإذا صودف أن قررت إحداهن الخروج لكن كهرباء “الدولة” باغتتْها، تترك كل شيء وتعود لتحاول الإفادة من كل ما يمكن أن تَنْفذ به.

ومَن لديها اشتراك مولّد “مقطوعة”، تحاول تعويض كل شيء بساعات التغذية القليلة، فـ”تعصر” المولّد إلى الحد الأقصى.

تبدو الكهرباء في بلد حسن كامل الصباح، أشبه بالأكسجين تتوقف الحياة عليها. يعيش الواحد على إيقاعها بعد الظهر والمساء، حين يحلّ الظلام باكراً، وحين يلفّ البلدات الجبلية الضباب، ويستكين الناس في منازلهم.

من دون كهرباء تصبح الحياة رتيبة، الكل ملتفّ بحرامه الصوفي، وعلى ضوء الشموع، ينتظرون أن ينفجر الضوء فجأة، فيمرّ الوقت ثقيلاً لا ينتهي. الطلاب عادوا يدرسون على ضوء شموعٍ باتت مكلفة، والعمل على الكمبيوتر وصفوف الأونلاين يتأرجح بين دوامات الموتور و”الدولة”.

ورغم ارتفاع سعر الدولار، راح اللبنانيون يفتّشون عن حلولٍ ظرفية، بطاريات لتشغيل تلفزيون ولمبة وكمبيوتر، طاقة شمسية للميسورين للتخلص من عبء الموتور، موتورات صغيرة بالبنزين الذي ارتفع سعره أيضاً لتصبح الصفيحة 316 ألف ليرة، عادت تجارة هذه الأدوات لتصبح رائجة، وبأسعار تُحتسب بالدولار الأميركي.

لكن تأمين الضوء لا يزال أقلّ الهموم، في شتاء لبنان العاصف. توقفت التدفئة المنزلية لشوفاجات المازوت بعدما ارتفع سعر الطن إلى أكثر من 700 دولار. ومع ارتفاع سعر الدولار أخيراً إلى ما يناهز 25 ألف ليرة، أصبح شراء المازوت عبئاً لا يُحتمل، فراجت عملية سرقته من الخزانات.

وفي غياب الكهرباء، ازدهرت مجدداً تجارة المواقد على الحطب، أو الغاز أو المازوت كونها أقل استهلاكاً للمادة. لكن فجأة ارتفع سعر طن الحطب، فراجت عمليات تقطيعه من الغابات وبعضها من الأشجار المعمّرة، ناهيك عن مخاطر التسمم بإشعال الفحم الحجري، أو بتسرب الغاز كما حصل أخيراً بوفاة سيدتين بسبب إبقاء مدفأة الغاز ليلاً مشتعلة.

بعضهم وجد الحلّ بحرام كهربائي أصبح رائجاً حالياً، أو بعودة أكياس المياه الساخنة. لكن برد الجبال قارس، رغم أن لبنان لم يدخل فعلياً فصل الشتاء.

وفي الليل تصبح الحياة رتيبة في انتظار غد أفضل، لكنه لا يأتي. المساء يحمل معه كذلك بعضاً من سوداوية الظلام الذي يلفّ الشوارع، والخوف من تَكاثُر السرقات ومن الجرائم، ومن المجهول الذي يتربص بالغارقين في العتمة.

كل يوميات اللبنانيين تدور حول الفقر المتزايد. فالبرّاد لم يعد يخزّن اللحوم والأسماك، بسبب انقطاع الكهرباء، وبسبب ارتفاع أسعارها، فصارت الحبوب والخضر بديلاً، لكنها سرعان ما أصبحت تشكل عبئاً إضافياً.

فالحبوب مستورَدة، وارتفعت أسعار الخضر والفاكهة إلى حد أن الأساسيات صارت محرّمة. حتى المياه العذبة باتت مكلفة، والأطعمة المغذّية عبارة عن ترف، ووجوه اللبنانيين تعبة شاحبة.

صارت الهموم كثيرة، كما الركض بالمعنى الحرفي لتأمين كل شيء مُتْعِباً. نسي الجميع النادي الرياضي، وحمرة الخدود والشفاه وكحل العيون، بعدما ارتفعت أسعار المنتجات التجميلية. فالحرب الاقتصادية أصابت النساء في شكل حاد. كل ضرورياتهن النسائية والحياتية تتحول سراباً، يوميات النساء حزينة ومتعبة، ويوميات الرجال متهالكة، صعبة.

صار الخبز اليومي مكلفاً وواحداً من وجوه المأساة، حين يصبح لوحده غذاءً يومياً. لا أجبان ولا لحوم، ولا أطايب، ولا ماء نظيف ولا كهرباء ولا تدفئة.

إنها يوميات البؤس اللبناني بكل وجوهه، وشكل من أشكال.. الموت البطيء.

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *