Doc P 899498 637757483101033711.jpeg
Doc P 899498 637757483101033711.jpeg

هكذا نخرج من أزمة الدولار…

الإنتظام المالي لأي دولة هو عنصر جوهري في الإدارة المالية للدولة حيث تُعتبر الإستراتيجيات المالية – الإقتصادية الموضوعة في الموازنات الحكومية من أهمّ العناصر التي يتمّ على أساسها قياس فعّالية الموازنات. وإذا كان عجز الموازنة هو عامل مُهمّ في تقييم الأداء المالي للحكومات، إلا أنه ليس المقياس الوحيد للإنتظام المالي بحكم أن هذا الأخير يتأثر بأعباء الديون الموروثة في الأعوام الماضية مما ينعكس حكمًا في خدمة الدين العام كما بالدورة الإقتصادية. وهو ما يُمكن ملاحظته من خلال تسجيل عجز في الموازنة بمعزلٍ عن الخيارات الهيكلية للحكومة في الموازنة العامة – عنيت بذلك مستوى الضرائب ومستوى الإنفاق.

دراسة الإنضباط المالي للدولة تمرّ إلزاميًا عبر القيود المفروضة على ميزانية الدولة لناحية أن تمويل الإنفاق يمرّ من خلال الضرائب أو إصدار سندات الخزينة وذلك عملًا بالمعادلة التالية: إصدارات سندات خزينة جديدة (أي زيادة في الدين العام) + الإيرادات الضريبية = خدمة الدين العام + الإنفاق العام. وبالتالي فإن نسبة الدين العام تزيد لسبب من إثنين: (1)تسجيل عجز أوّلي أو (2) زيادة الفجوة بين سعر الفائدة الحقيقي ومعدل النمو. هذا الأمر يعني أن هناك ضرورة أن يكون هناك فائض في الميزان الأوّلي يفوق خدمة الدين العام بهدف تحقيق الإنتظام المالي تحت طائلة الإفلاس (وهذا ما وصل إليه لبنان!).

الإنتظام المالي هو ضرورة في المالية العامة لأنه يؤدّي إلى توازن في الحسابات العامة وفي ميزان المدفوعات، ويزيد الثقة بالإقتصاد ويُحفّز الإستثمارات الخارجية وإستطرادًا يدعم العملة الوطنية.

الدولة اللبنانية التي اختارت التعثّر الطوعي دون رؤيا مستقبلية ومن دون التحدث إلى الدائنين للخروج بحل يرضي الأطراف كافة شكل خطوة متهورة خاطئة عزلت لبنان مالياً بحيث أصبحت الأوضاع العامة في مرحلة لم تعد فيها الإجراءات الجزئية مُمكنة أو ذات فعّالية. عمليًا، كان من المُمكن القيام (قبل التعثّر) بعدة إجراءات كانت لتسمح بإستعادة الإنتظام المالي (مثلًا: التقشف المالي، رفع الرسوم الجمركية، رفع الضرائب، تحسين الجباية…)، إلا أن هذه الأمور لم تعد كافية اليوم وهناك ضرورة قصوى للقيام بعمليات إصلاحية كبيرة على عدّة مستويات.

وفي ما يلي بعض النماذج من الإصلاحات والإجراءات الواجب القيام بها وذلك بمعزل عن نتائج المفاوضات مع صندوق الدولي بحكم أنه هذه الإصلاحات والإجراءات أمست ضرورة للخروج من الأزمة.

المُشكلة الرئيسية الحالية هي في مالية الدولة اللبنانية التي ترزح تحت دين عام 97 مليار دولار أميركي على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية منها 50 مليار دولار أميركي بالدولار. التعثّر الذي قامت به الدولة في أذار 2020، عزل لبنان عن النظام المالي والمصرفي العالمي وأصبح من شبه المُستحيل للبنان اللجوء إلى الأسواق المالية العالمية (أو حتى المحلّية) لتمويل حاجاته المالية خصوصًا بالعملة الصعبة. وبالتالي هناك ضرورة قصوى لبدء المفاوضات مع المُقرضين لمعرفة مصير هذا الدين العام الذي تعمدت السلطة الحالية إلى مزجه بمشاكل القطاع المصرفي عبر الحديث عن فجوة مالية في القطاع المصرفي (بغضّ النظر عن صحّة هذا الأمر أو عدم صحته). هناك دين على الدولة اللبنانية منه 11.8 مليار دولار أميركي ديون خارجية والباقي داخلي، وبالتالي نرى أن السلوك الرسمي يتّجه إلى إعتبار أن هذا الدين هو داخلي ويجب على القطاع المصرفي تحمّله بالإضافة إلى المودعين الذين إستفادوا من فوائد مُرتفعة (بحسب تصاريح بعض المسؤولين). هذا الأمر إن تم إذعاناً، أي فرض من قبل الطرف المدين دون قبول الدائن، فسيؤدّي حتماً إلى فقدان الدولة اللبنانية أي قدرة مُستقبلية على الإقتراض سواء داخليًا أو من خلال الأسواق العالمية وبالتالي هناك ضرورة لإظهار بعض الجدّية في تعاطي الدولة مع هذا الدين وتحمّل مسؤولياتها خصوصًا أن هذا الإنفاق تمّ عبر الموازنات – أي السياسات الحكومية المُتعاقبة.

المعروف اقتصادياً أن دين اليوم هو ضرائب الغد، وبالتالي إعتراف الدولة بديونها يعني أن المواطنين هم من سيدفعون هذا الدين من خلال الضرائب وهو أمر يُشكّل حقيقة عملية. إلا أن فرض ضرائب على المواطنين من خلال القوانين الحالية ودون تقديمات مجدية هو أمرٌ غير عادل! وبالتالي يتوجّب على الحكومة التي أعطاها الدستور والأعراف الدولية شرعية لهذه الأداة – أي الضرائب – أن تقوم بفرضها بشكلٍ عادل وهو ما يعني تعديلا في قانون الضريبية وذلك إما من خلال جعلها ضريبة تصاعدية مع التشدّد في الجباية والتحقق من سدّ كل الثغرات التي قد يستفيد منها بعض الميسورين النافذين، وأما من خلال توسيع القاعدة الضريبية وذلك بفتح المجال لدخول استثمارات جديدة وبضرائب منخفضة لمدة زمنية محددة لا يمكن اللعب بها لكسب ثقة المستثمرين.

ومن الإصلاحات الجوهرية التي يجب أن تطال المالية العامة، النظر في شق الإنفاق غير المثمر أو غير المبرر خصوصًا أن الوقت مُناسب لمعالجته من خلال الشراكة بين القطاع العام والخاص لنقل العديد من موظفي الدولة إلى القطاع الخاص (من دون المسّ بلقمة عيشهم) وإقفال العديد من المؤسسات غير المُجدية ومكننة معاملات الدولة بالكامل.

على الصعيد الإقتصادي، المُشكلة الرئيسية هي بالحجم الذي أصبحت الدولة تُشكله في الإقتصاد! على هذا الصعيد، من أهم شروط صندوق النقد الدولي إنسحاب الدولة بالكامل من المجال الإقتصادي وهو ما يعني تخليها عن الكهرباء والإتصالات والمرافق العامة. وقد أظهرت التجارب فشل القطاع العام في إدارة هذه المؤسسات وهو ما يفرض الشراكة مع القطاع الخاص من دون التخلّي عن ملكية هذه المرافق.

وعلى الصعيد الإقتصادي أيضاً، هناك حاجة جوهرية لإعادة النمو الإقتصادي إلى مستويات يكون فيها الفائض الأوّلي كافٍيا لتغطية خدمة الدين العام وهذا شرط أساسي لصندوق النقد. أضف إلى ذلك إلزامية إعادة هيكلة الناتج المحلّي الإجمالي لحلّ أزمة الإستيراد خصوصًا أننا نستورد 85% مما نستهلك. وبالتالي فإن تشجيع الصناعات المحلية (غذائية، تحويلية…) هو ممرّ إلزامي يُمكن أن يحصل من خلال تخصيص البلديات لنسبة من أراضيها لإنشاء مدن صناعية تسمح بتلبية الطلب المحلّي بنسبة لا تقلّ عن 70%! كذلك الأمر بالنسبة للزراعة حيث من الضروري إستعادة الأملاك النهرية المُقدرة بأكثر من 25 مليون متر مربع وذلك بهدف استغلالها بنحو زرعها بالقمح والذرة وغيرها من المنتوجات الزراعية التي يستوردها لبنان.

هذه المشاريع الإقتصادية تحتاج إلى إستثمارات وهو ما يتطلّب من الحكومة إعتماد إجراءات مالية – قانونية – قضائية – إدارية لجذب هذه الإستثمارات التي تعتمد بشكل أساسي على الثقة بالنظام اللبناني. بمعنى أخر، يجب تفعيل إستقلالية القضاء – الحامي الأول للإقتصاد – وتسهيل المعاملات الإدارية ومكافحة الفساد وإقرار تحفيزات ضريبية وتحديث القوانين المُتعلّقة ببيئة الأعمال.

أيضًا من الإصلاحات المطلوبة، تعديل السياسة النقدية من خلال التخلّي عن تثبيت سعر الصرف لصالح تعويم مُوجّه أقلّه في العامين القادمين لضمان الثبات الإجتماعي الذي يعتمد بشكل أساسي على الثبات النقدي. هذا الأمر نابع من إستحالة تثبيت سعر الصرف بعد إستنزاف الإحتياط ولكونه أيضًا هو من المطالب الأساسية لصندوق النقد الدولي الذي يُطالب بتحرير سعر الفائدة (لآجال أكثر من سنتين) وإستطرادًا سعر صرف الليرة.

وبما أن الأزمة الحالية رفعت الفقر في لبنان إلى مستويات مُرعبة، فيبقى من الإجراءات الضرورية خلق شبكة آمان إجتماعي عبر وجود قوي للدولة في رقابة اللعبة الإقتصادية ومحاربة الاحتكار والتهريب والمضاربة. على هذا الصعيد، يُعتبر توقيع إتفاقات مع البنك الدولي بالتوازي مع عمليات إصلاحية، الممرّ الضروري نظرًا إلى الديناميكية الخطرة للفقر والتي تُنذر بتجويع الشعب.

المرحلة المُقبلة لا تبشر بالخير خصوصًا مع تصريح حاكم الإحتياطي الفديرالي الأميركي الذي وعد برفع الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية وهو أمر مُتوقّع في شهر أذار المُقبل خصوصًا أن التضخّم وصل إلى مستويات تاريخية في الولايات المُتحدة الأميركية مع 7% (أعلى مستوى منذ 40 عامًا!). هذا الإجراء سيكون له تداعيات عالمية خصوصًا على الدول الناشئة التي ستشهد هروبًا لرؤوس الأموال منها إلى الولايات المُتحدة الأميركية، وسيكون له تداعيات أيضاً على الليرة اللبنانية التي ستشهد ضغوطات كبيرة مع إعتماد الإقتصاد اللبناني على الإستيراد (أي الدولار) وهو ما يعني أن هناك إلزامية للتسريع في عملية الإصلاحات لأن الوقت ينفد وقد نصل إلى نقطة اللاعودة مع إعلان لبنان دولة فاشلة الذي يُمكن ترجمته بعدم قدرة لبنان على الإستدانة أو تلقي المساعدات المالية من الدول الأخرى.

Ch23

عن Majd Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية،سعر صرف الدولار في لبنان, Dollar exchange rate in Lebanon, سعر الدولار اليوم في لبنان, Today's dollar rate in Lebanon, أسعار الدولار في السوق السوداء, Black market dollar rate in Lebanon, سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء, Today's black market dollar exchange rate in Lebanon, سعر الدولار الرسمي في لبنان, Official dollar rate in Lebanon, توقعات سعر الدولار في لبنان, Dollar price forecast in Lebanon, سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية, Dollar to Lebanese pound exchange rate, أسعار الدولار في لبنان لحظة بلحظة, Dollar rates in Lebanon live updates, سعر الدولار المصرفي في لبنان, Bank dollar rate in Lebanon, الدولار مقابل الليرة اللبنانية السوق السوداء, Dollar to Lebanese pound black market rate, سعر الدولار الآن في لبنان, Current dollar rate in Lebanon, تحويل الدولار إلى الليرة اللبنانية, Convert dollar to Lebanese pound, تأثير سعر الدولار على الاقتصاد اللبناني, Impact of dollar rate on the Lebanese economy, سعر الدولار في الصرافين, Dollar rate at money exchangers in Lebanon, استقرار سعر الدولار في لبنان, Stability of dollar rate in Lebanon, ارتفاع سعر الدولار في لبنان, Dollar rate hike in Lebanon, سعر صرف الدولار لحظة بلحظة, Live dollar exchange rate in Lebanon, تغيير سعر صرف الدولار في لبنان, Dollar exchange rate fluctuations in Lebanon, الدولار الجمركي في لبنان, Custom dollar rate in Lebanon, السوق الموازية لسعر الدولار في لبنان, Parallel market dollar rate in Lebanon, سعر الدولار المصرفي الرسمي, Official bank dollar rate in Lebanon, شراء الدولار في لبنان, Buying dollar in Lebanon, بيع الدولار في لبنان, Selling dollar in Lebanon, تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار, Convert Lebanese pound to dollar, سعر الدولار على منصة صيرفة, Dollar rate on Sayrafa platform, توقعات السوق السوداء للدولار في لبنان, Black market dollar forecast in Lebanon, أفضل سعر للدولار في لبنان, Best dollar rate in Lebanon, أخبار سعر الدولار في لبنان, Dollar rate news in Lebanon, سعر صرف الدولار اليوم في البنوك اللبنانية, Today's dollar exchange rate in Lebanese banks, سعر الدولار مقابل اليورو في لبنان, Dollar to euro rate in Lebanon

تحديث سعر صرف الدولار اليوم

سعر صرف الدولار الآن اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للدولار في السوق السوداء لمتابعة التحديث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *