0c3df1d9 75a6 4848 a558 97242cd3b3e5
0c3df1d9 75a6 4848 a558 97242cd3b3e5

«الصحة» ضحية التقشّف

كتب د. لويس حبيقة في “اللواء”:

انعكاسات السياسات الاقتصادية لا تتوقف فقط على المادة أي على النمو والدين والعجز المالي، بل تصل اليوم أكثر فأكثر الى صحة الانسان المادية والنفسية أي عمليا الى الحياة والموت. ماذا ينفع الانسان أو الشعب اذا تحسن النمو وزاد اليأس لأسباب متعددة؟ ثروة أي مجتمع ليست فقط الانتاج الصناعي، بل خاصة أوضاع المواطن الصحية التي تنعكس على الانتاج والاستهلاك. الاستثمار في الصحة هو في غاية الأهمية ويجب ألا تطاله السياسات المالية التقشفية حتى خلال أسوأ الأزمات. تشير الوقائع الى أن الصحة لا تنعم بالحماية المالية الضرورية ويجري في أكثرية الدول المس بأرقامها حماية للفساد في القطاعات الأخرى خاصة البنية التحتية. التقصير بالاهتمام الصحي أضعف الأنظمة الوطنية وجعل المجتمع الانساني العالمي يصاب بجرح كبير من جائحة الكورونا المستمرة.
قال روبرت كينيدي في آذار 1968 أن الناتج المحلي الاجمالي يقيم كل شيء، الا العوامل التي تجعل الحياة ذات قيمة ومعنى. من هنا الدعوة السابقة والمستمرة لايجاد مؤشرات وطنية أفضل، علما أن التقييم الرقمي للمؤشرات الانسانية والنفسية يبقى في غاية الصعوبة. فالسياسات الاقتصادية الحالية تؤثر أكثر فأكثر على معنويات الانسان التي تنعكس بدورها على صحته في الجسم والعقل. فاذا نجح بعض المجتمعات في معالجة الأوضاع الصحية العادية أي في الجسم، فهنالك تقصير كبير في معالجة الأمراض النفسية والعقلية خاصة في الدول النامية والفقيرة. شركات التأمين بأكثريتها لا تغطي الأمراض النفسية والعقلية، علما أنها أخطر لكن ربما معالجتها أصعب وتكلف الكثير. طبعا نتائج المعالجات ليست مضمونة لكنها واجب شخصي وعائلي واجتماعي ولا بد من ادخالها في بوليصات التأمين المتخصصة.
سياسات التقشف تهدف الى تخفيض الانفاق والعجز وبالتالي تقليص نمو الدين العام. اعتمدت خاصة في الأزمات في أكثرية الدول لكنها لم تعط النتائج الجيدة لأن أهدافها كانت فقط رقمية مادية ولم تعالج المشاكل الصحية التي طالت جميع المواطنين نتيجة الضيق الانفاقي. المواطن هو عامل ورجل أعمال ومستهلك ومنتج وبالتالي اذا كانت صحته سيئة ينهار الاقتصاد حتى لو كانت المؤشرات المالية سليمة. طبق الرئيس الأميركي «روزفلت» مجموعة سياسات انفاقية سخية في فترة 1933/1939 لانقاذ الاقتصاد وتخفيض البطالة ومعالجة الأوضاع المصرفية السيئة بعد كارثة 1929.
ألزمت سياساته الدولة الفيديرالية وليس الولايات الفردية التي تنعم بأنظمة مستقلة. لذا هنالك ولايات طبقت سياساته وأخرى لم تفعل. أشارت الدراسات الميدانية لاحقا الى أن الولايات التي طبقت برنامج روزفلت تحسنت داخلها مؤشرات الصحة العامة، على عكس الولايات التي لم تطبقها. الواضح أن الرئيس بايدن يطبق اليوم نسخة جديدة من برنامج روزفلت حيث سينفق الكثير على المواضيع الصحية لمواجهة الكورونا كما على التحديات الصحية والاجتماعية الكبيرة بالاضافة الى البنية التحتية. يواجه الرئيس معارضات من الحزب الجمهوري في كل ما يرتبط بالانفاق والضرائب والسياسات الخارجية.
لتقييم سياسات التقشف، لا بد من مقارنة الأوضاع العامة بين اليونان وايسلاندا حيث عانتا من أزمات مالية حادة مماثلة. عالجت اليونان أزمتها عبر التقشف الحاد على كل شيء برعاية أوروبية ودولية بما فيه على الأمور الصحية والاجتماعية. ايسلندا لم تطبق التقشف على الصحة بل فقط على الأمور المادية من بنية تحتية وغيرها. ماذا كانت النتيجة؟ في اليونان زادت نسبة الأمراض المزمنة الخطيرة 52%، تضاعف الانتحار مرتين، زادت جرائم القتل وعادت الملاريا. ارتفع عدد الوفيات أيضا نتيجة التقشف الصحي والاجتماعي. في ايسلندا كانت النتائج معاكسة جدا في كل المؤشرات الصحية والوفيات، والسبب واضح هو حفاظها على الانفاق الصحي والاجتماعي حتى في الأزمات. كذلك الأمر في السويد حيث انحدر عدد حوادث الانتحار خلال الازمة المصرفية بسبب الحفاظ على الانفاق الصحي والاجتماعي. النضج الاسكندينافي في معالجة حقوق المواطن والحريات ربما لم ينعكس على بقية الدول الأوروبية.
أهم مؤشر لنجاح أو فشل السياسات الاقتصادية هو تأثيرها على العمر المرتقب. فالتأثير واضح من الاقتصاد الى الصحة فالعمر المرتقب. لذا مواطنو الدول المتقدمة يعيشون مدة أطول بسبب المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المتقدمة بينها الصحية. حتى داخل الدول، يختلف العمر المرتقب بين مدينة وأخرى تبعا للأوضاع المعيشية. ضمن المدينة الواحدة، هنالك فارق بين قسم وآخر تبعا للأوضاع الاجتماعية وهذا واضح في المدن الكبيرة. واقعا تنعكس السياسات المختلفة على مجموعة المؤشرات المادية التي تنعكس بدورها على العمر المرتقب.
في اليابان، يبلغ العمر المرتقب 85 سنة منه 88 للسيدات و82 للرجال. في سويسرا، 84 سنة منه 86 للسيدات و82 للرجال. في الدول العربية وعلى سبيل المثال، مقارنة نتائج دول مجلس التعاون أي قطر وخارجه أي لبنان واضحة؟ في قطر، العمر المرتقب 81 سنة بينه 82 للسيدات و80 للرجال، وفي لبنان العمر 79 سنة بينه 81 للسيدات و77 للرجال. في كل الدول، العمر المرتقب للسيدات أطول من الرجال والأسباب صحية واجتماعية وبيولوجية. بين الدول الفقيرة، نذكر مثلا أثيوبيا حيث العمر 68 سنة، منه 70 للسيدات و66 للرجال. ما يدعو للعجب هو أن دولا لها مؤشرات صحية متدنية، لها في نفس الوقت طموحات عسكرية كبيرة كاثيوبيا التي تتحدى مصر والسودان بالنسبة للمياه والسدود بدلا من أن تركز كل جهودها على الحاجات الصحية والاجتماعية لمواطنيها .
حتى في فترات الأزمات الاقتصادية، من الممكن أن تتحسن المؤشرات الصحية اذا لم يطالها التقشف. في الأزمات، تحاول الحكومات الجدية دراسة مصادر الهدر الصحي ومعالجتها كما يتم النظر الى التفاصيل ومعالجة الخلل. لذا من الممكن أن يصبح النظام الصحي أفعل ومنتج أكثر في زمن الركود والأزمات.
أخيرا الركود يؤذي، لكن التقشف غير المدروس يمكن أن يكون قاتلا للمجتمع والانسان. التقشف الفوضوي يمكن أن يسبب وفيات لا يمكن التعويض عنها حتى عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية. أسواق المال ترتفع وتسقط ويمكن تعويض الخسائر، أما حياة الانسان فلا تعوض. عندما نفقد أشخاصا، لا يمكن التعويض عنهم. الصحة الاقتصادية والصحة النفسية مهمتان جدا في نفس الوقت، وهذا ما تجاهله العديد من الدول في فترة الركود الكبير 2008/2009 والأزمات الأخرى الحادة. هل تتعلم الحكومات من التجارب الماضية، فتقوم بترشيد بعض الانفاق والمحافظة على البعض الآخر؟ ترتبط النتيجة ليس فقط بالمنطق بل بمدى كفاءة المسؤولين الحكوميين ومدى بعدهم عن الفساد الذي يدير غالبية عمليات الانفاق في القيمة والأهداف والتوزيع.

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية

تعميم 1000 دولار يدخل حيز التنفيذ: الصيارفة يواجهون تحديات تطبيق “اعرف عميلك” وتحديث البرامج

مقدمة: تطبيق تعميم مصرف لبنان على المؤسسات المالية غير المصرفية دخل تعميم مصرف لبنان (BdL) …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *