كهرباء 1
كهرباء 1

طاقة مستدامة = طاقة أقلّ

كتب حبيب معلوف في “الأخبار”:

بناءً على أية مبادئ ومعايير يجب أن يستند لبنان لكي تكون له استراتيجيته حول الطاقة المستدامة؟ هذا أهم سؤال انطلقت منه ورشة العمل التي عُقدت في وزارة البيئة الأسبوع الماضي بالتنسيق والتعاون بين وزارتَي البيئة والطاقة بمشاركة الوزيرين (ناصر ياسين ووليد فياض) ومجموعة كبيرة من الخبراء المحليين والدوليين حول الطاقة.

في لبنان الكثير من الخطط للكهرباء، وليست هناك استراتيجية للطاقة المستدامة بعد. كان على هذه الاستراتيجية أن تحدّد المعطيات الطبيعية النظيفة أولاً، أي ما تستطيع الطبيعة اللبنانية أن تؤمّنه من طاقة نظيفة ومتجدّدة بالمقارنة مع استيراد أو استخراج الطاقة الأحفورية، وأن تكون هناك أفضليات وأولويات ومبادئ على أساسها يتم تقييم التقنيات والخيارات. أهم هذه المبادئ وفي طليعتها مبدأ الاستدامة البيئية. وهذا لا يعني البحث عن طاقة مستدامة فقط، بل عن كونها بيئية أيضاً، أي أن لا تكون المصادر ناضبة مثل الوقود الأحفوري وأن تكون نظيفة وآمنة. وهذه المواصفات لا تنطبق إلا على الطاقات المتجددة المتوفرة في لبنان، والتي كان يفترض أن تُمنح الأولوية في الاستثمار والتنظيم والتشريع وتوطين تقنياتها. كما أن وضع السياسات والقوانين لتساهم في إنتاج تكنولوجيا وطنية، بدل الاعتماد على الاستيراد، ليس أمراً تفصيلياً ولا مستحيلاً. هذا الموضوع مرتبط أيضاً بالمفاوضات السنوية الدولية حول تغيّر المناخ التي يشارك فيها لبنان (ممثَّلاً بوزارة البيئة ومشاريع تغيّر المناخ فيها) والتي يفترض أن تنسجم مواقفه فيها مع هذه الاستراتيجية. بمعنى أن يتشدّد في المطالبة مع الدول المصنّفة “نامية” مثله بضرورة نقل التكنولوجيا مجاناً من الدول المتقدّمة صناعياً في التكنولوجيا الخضراء إلى الدول النامية كتعويض عن ما سبّبته سياساتها وثورتها الصناعية من انبعاثات غيّرت المناخ العالمي.

فلماذا ذهبت وزارة الطاقة تاريخياً في الاتجاه الآخر، إن لناحية الاعتماد كلياً على الطاقات الأحفورية، أو لناحية إنشاء المعامل الحرارية أو لناحية استيراد المحروقات أو الاستجرار من الخارج أو التنقيب عن النفط والغاز؟ ولماذا غلّبت ولا تزال خطط الطوارئ على تلك الاستراتيجية كمثل اللجوء إلى البواخر!؟ لماذا تأخّرنا حتى الأمس (آخر جلسة لمجلس الوزراء) لإقرار القوانين المتعلقة بإنتاج الطاقة المتجدّدة وحفظها وترشيد استهلاكها بالرغم من تأكيد الدراسات بأن إمكانات الطاقة المتجدّدة بجميع أشكالها (من ماء وشمس وهواء) متوفرة في لبنان ويمكن أن تشكل البديل الآمن والاقتصادي عن كل خطط الطوارئ!؟ وبالرغم من التأكيدات أن اتّباع سياسات توفيرية ومشاريع لكفاءة الطاقة في كل القطاعات، يمكن أن يوفر إنشاء معمل حراري! فلو تمت الاستجابة للدعوات القوية التي أُطلقت منذ ربع قرن تقريباً لوضع استراتيجية للطاقة المستدامة من ضمن استراتيجية التنمية المستدامة وسياسات مختلفة للطاقة، لما كنا أمام هذه الأزمة الحادة في الطاقة التي نعيشها اليوم، مع العلم أن مشروع قانون حفظ الطاقة الذي أُقرّ في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة كانت مسوّدته قد أُنجزت عام 2011! من هنا كانت أهمية الحوار والشراكة التي تحصل الآن بين وزارتي الطاقة والبيئة لتبيان مدى الاستدامة في الخطط والخيارات، ولا سيما بعدما أصبحت قضية تغيّر المناخ عنصراً حاسماً في تحديد اتجاهات الطاقة عالمياً. كان على لبنان أيضاً أن يأخذ في الحسبان وضعه الاقتصادي والاجتماعي لتحديد استراتيجية الطاقة، إضافة إلى طبيعة نظام الحكم ومستوى الفساد ووضعية وضعف الدولة عامة بالمقارنة مع قوة الشركات المستثمرة في القطاع، ثم الصراعات السياسية العالمية للوصول إلى الطاقة التقليدية أو لنقلها والتطورات التكنولوجية العالمية المرافقة والاتجاهات العالمية المستجدة والحروب… إضافة إلى مصير المفاوضات الدولية المتعلقة بتغير المناخ والتي ستحتّم، عاجلاً أم آجلاً، نوعية سياسات الطاقة المستقبلية، كون هذه الأخيرة هي المتهم الرئيسي بأكبر كارثة عالمية عرفتها البشرية حتى الآن.

أما أهم ما تقدّمه الطاقة المتجدّدة وسياسات تشجيع الإنتاج والتوفير والحفظ والكفاءة على المستوى السياسي، فهي أنها تساهم في إعطاء جرعة كبيرة من الاستقلالية السياسية والحدّ من الاحتكار والاستغلال الاقتصادي والسياسي… وذلك يعود إلى طبيعة الطاقة المتجدّدة اللامركزية التي تحرّر البلاد من قبضة الشركات الكبرى ومشاريعها المركزية الكبيرة كإنشاء محطات حرارية كبيرة أو الاستيراد والتخزين. ولعل هذا هو السبب الجوهري والأساسي الذي أخّر هذا التوجه منذ ربع قرن تقريباً، نظراً إلى سيطرة سماسرة الطاقة التقليدية والمركزية والاتجاه لإنشاء المعامل الحرارية أو استيراد الوقود الأحفوري والبواخر على القرار في وزارة الطاقة.
على ضوء كلّ ذلك، يُفترض تحديد المبادئ لهذه الاستراتيجية وفي طليعتها مبدأ الاستدامة الذي على أساسه يُوازَن بين متطلبات أمن الطاقة وكلفتها ومدى الاستدامة البيئية لكل خيار… إضافة إلى نقطة محورية أساسية في هذه الاستراتيجية تشجّع على ضبط الطلب وترشيد الاستهلاك واحترام مبادئ الحفظ والتوفير. فأي تفكير في “مزيج طاقوي” لا يأخذ في الحسبان كل ما ذكرنا، إضافة الى ضبط الاستهلاك وتخفيض المخاطر، لن يكون مجدياً على المدى البعيد.

وإذ بينت دراسة “المركز اللبناني لحفظ الطاقة” أن أكبر قطاع مستهلك للطاقة هو قطاع المباني على أنواعها، لذلك كان مهماً (استراتيجياً) تعديل قانون البناء ليصبح أكثر اخضراراً (إضافة إلى تأهيل المباني القديمة)، لا استخدام هذا التوجه ضرائبياً لتحصيل مداخيل لخزينة الدولة، على طريقة “طابق المر” السيئة الذكر!
من أهم التوصيات التي خرجت بها الورشة ضرورة احترام القوانين ولا سيما القانون الناظم 462 الصادر منذ عام 2002 وتعيين الهيئة الناظمة لهذا القطاع (5 أعضاء وليس 6) وتحريرها من القيد الطائفي. إضافة إلى إعادة الاعتبار للطاقة الكهرمائية وتطويرها، ودعوة الدولة إلى تسهيل تأمين الأراضي من مشاعات وأملاك دولة ومصرف لبنان للإنتاج من الطاقات المتجدّدة.

مشروع قانون حفظ الطاقة الذي أُقرّ أخيراً كانت مسوّدته قد أُنجزت عام 2011 

تُعتبر قضية ضرورة تأمين الأراضي لمشاريع الطاقة المتجدّدة مسألة مركزية، لا تقل أهمية عن إيجاد التمويل اللازم، ولا سيما الإنتاج من الطاقة الشمسية المتوفرة في لبنان كما ذكرنا. من هنا أهمية تدخّل الدولة لإيجاد الحلول في أملاكها. وهناك دراسات عدة تتحدث عن الدمج بين قطاع المقالع الذي يفترض أن تحتكره الدولة في أملاكها وتخصيص قسم من هذه الأراضي لإنتاج الطاقة المتجددة تماماً، ثم تعزيز وتطوير مشاريع إنتاج الطاقة الكهرمائية بكلّ أشكالها باستثناء السدود. أضف إلى ذلك التشدد في مراقبة نوعية هذه التكنولوجيا الجديدة وتنظيم لامركزيتها ووصلها بالشبكات، وحسن إدارتها بعد انتهاء صلاحيتها وتحوّلها إلى نفايات، مع أفضلية أن يُطبّق عليها نظام الاسترداد لتعود إلى المصنّع المنتج.

أهم ما يمكن طرحه بعد حالة الانهيار الشاملة في لبنان، هو ضرورة الخروج من “وعد” تأمين الكهرباء 24/24. هذا الوعد الشبيه بالوعود الانتخابية الكاذبة، كان مكلفاً جداً ومضلّلاً جداً، طالما أنه لم يأت من ضمن استراتيجية تؤكد أهمية الاستدامة في الإنتاج والتوفير في الاستهلاك. ولذا يجب إدراج ذلك في السياسات والأولويات التي يُفترض أن تُعتمد بعد الانهيار الذي حصل، ومهما كانت نتائج الانتخابات التي بدأت، إذا أردنا الخروج من أزماتنا بسرعة معقولة.

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية

تعميم 1000 دولار يدخل حيز التنفيذ: الصيارفة يواجهون تحديات تطبيق “اعرف عميلك” وتحديث البرامج

مقدمة: تطبيق تعميم مصرف لبنان على المؤسسات المالية غير المصرفية دخل تعميم مصرف لبنان (BdL) …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *