قدوم المغتربين يزيد الوضع الماليّ سوءاً؟

لا شيء يُبقي الاقتصاد حيّاً سوى تحويلات المغتربين وإنفاقهم، لكنّ السلسلة الجهنّمية المتحكّمة بالإدارتين المالية والنقدية تجعل من موسم الاصطياف عبئاً إضافياً على ميزانية الدولة، وربّما على احتياطات مصرف لبنان.

خلال صيف 2021 فَقَد مصرف لبنان 1.5 مليار دولار من احتياطاته بالعملات الأجنبية في حزيران وتموز وآب، بمعدّل 500 مليون دولار كلّ شهر، خلافاً لأبجديّات المنطق الذي يفترض أن يسجّل ميزان المدفوعات تعادلاً، على الأقلّ، في تلك الأشهر.

فأين الخطأ؟
بفعل نظام الدعم المشوَّه تتكبّد الخزينة العامّة تكلفة عن كلّ مغترب أو سائح يأتي إلى البلاد، على شكل إنفاق إضافي على السلع والخدمات المدعومة، وقد تبقّى منها بشكل أساسي: الخبز والكهرباء والاتصالات. تقلّصت سلّة الدعم بشكل كبير هذا الصيف، لكنّ فاتورته باتت أثقل مع وصول احتياطات مصرف لبنان إلى ما دون الخط الأحمر. يقول حاكم مصرف لبنان إنّ ما تبقّى منها يقارب 11.8 مليار دولار، والجميع يعرفون أنّ الرقم الحقيقي أقلّ من ذلك بكثير إذا ما أُخذت في الاعتبار المتأخّرات غير المنظورة. لكن حتى بعد تقلّصها سيظلّ المغترب والسائح يأكل خبزاً مدعوماً ويستهلك كهرباء مدعومة، وربّما يشتري أدوية مدعومة. حتى السلع غير المدعومة لا سبيل إلى تمويل استيرادها إلا من دولارات مصرف لبنان.

زد على ذلك أنّ هيكل تمويل الاستيراد الحالي يُلقي بالعبء كاملاً على مصرف لبنان الذي يوفّر الاعتماد لكلّ شيء، من القمح إلى البنزين والمازوت والدواء، وصولاً إلى متطلّبات الرفاه.

في الصيف السابق كانت الطامّة أنّ المغتربين والسيّاح زاحموا المقيمين في طوابير الذلّ للحصول على ليترات قليلة من البنزين المدعوم. كان المغترب الآتي بالدولارات الطازجة يستسهل أن يرشو العامل في المحطة ليملأ خزّان سيارته ببنزين تدفع الدولة ثلاثة أرباع ثمنه. وقِس على ذلك كلّ السلع والخدمات التي تُباع للمغتربين والمقيمين بثمن بخس بالليرة.

200 مليون $ للبنزين شهريّاً

في الوقت الحالي، يتكبّد مصرف لبنان 200 مليون دولار شهرياً من احتياطاته لتمويل استيراد البنزين. صحيح أنّ هذا التمويل يتمّ على سعر صيرفة، لكنّه يستنزف الاحتياط بكلّ الأحوال. ومع تدفّق المغتربين سيقفز استهلاك البنزين بلا أدنى شكّ، وسيُترجم ذلك إلى فاتورة استيراد ضخمة يغطّيها مصرف لبنان بدولاراته. وسيزداد استهلاك الكهرباء، إن لم يكن من “كهرباء لبنان” فمن المولّدات التي تحتاج إلى مازوت مستورَد لتشغيلها. وعلى ذلك قس كلّ صنوف الاستهلاك.

لا ضير في ذلك في الأحوال الطبيعية لأنّ استهلاك الوافدين من الخارج يقابله ضخّ عملة صعبة من قبلهم تدخل إلى النظام المالي وتُنعش احتياطات البنك المركزي. لكنّ المشكلة في لبنان أنّ دولارات المغتربين لا تدخل بالضرورة إلى النظام المالي، لأنّ الثقة بالبنوك معدومة، ولأنّ شركات تحويل الأموال تستغلّ الأزمة برسوم لا مبرّر لها ولا مثيل في أيّ من الدول الطبيعية. ولذلك يغامر المغتربون بحمل النقد في محافظهم بدلاً من تحويلها عبر البنوك وشركات تحويل الأموال، فيذهب جزء وافر منه إلى تجّار العملة في اقتصاد الظلّ.

في التعامل الرسمي مع أموال المغتربين استخفاف لا يتناسب مع وزنها الذي بات يقارب ثلث حجم الناتج المحلّي الإجمالي. يكفي أنّ عجز الميزان التجاري بلغ العام الماضي 9.75 مليارات دولار، في حين لم يتجاوز عجز ميزان المدفوعات مليارَيْ دولار. وإذا أخذنا في الاعتبار حقوق السحب الخاصة التي وردت إلى لبنان من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.1 مليار دولار، تكون أموال المغتربين قد غطّت ثلثَيْ عجز الميزان التجاري وموّلت معظم حاجات الاستيراد.

ربّما يكون صيف 2022 أفضل من سابقه نسبيّاً، أقلّه لأنّ صيف 2021 كان بالغ السوء، إذ كانت أزمات البنزين والكهرباء والطبابة في ذروتها، وكان الكثير من قيود السفر المرتبطة بمكافحة جائحة كورونا لا يزال قائماً. لكنّ سوء الإدارة لتدفّق الأموال الوافدة يظلّ السمة السائدة.

كان بالإمكان الاستعداد لموسم السياحة بإجراءات استباقية لتخفيف عبء الدعم المرتبط بزيادة فاتورة الاستهلاك والاستيراد. كان يفترض إطلاق البطاقة التمويلية لإصلاح نظام الدعم بحيث يصل إلى الشرائح المحتاجة، بدلاً من أن تبقى أمواله عرضة للنهب من حفنة من التجّار والمهرّبين. وكان بالإمكان خفض رسوم تحويل البنوك وتحسين تعاملات البنوك لتسهيل دخول الأموال إلى النظام المالي بعيداً عن اقتصاد الظلّ وتجّار العملة. لكنّ النظام الجهنّمي يحترف تحويل كلّ فرصة إلى حسرة.

ch23

عن Majd Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *