تجديد استيراد الخام الأسود الثقيل ملاذ أخير لتفادي الوقوع في العتمة الشاملة

محاولات اللعب بـ»أوراق معماة» على طاولة عقد الصفقات الدولية لم تعد تجدي المنظومة نفعاً. فأوراقها ليست مكشوفة فحسب، إنما محروقة. الاستعطاف الدولي الذي مارسته منذ انفجار الأزمة للحصول على مساعدات نفطية طارئة، تُبقي «بصيص نور» في البلد، لم يعد يمر على أحد. فالمطلوب اليوم ضمانات جدية وقدرة على سداد ثمن النفط الذي تشتريه بشكل منطقي. وهذا ما قد تكون ظهّرته زيارة الوفد العراقي للبنان للاتفاق على كيفية تحصيل الحقوق من تجديد صفقة النفط.

في 24 تموز 2021 وقع العراق اتفاقاً لبيع لبنان مليون طن من النفط الأسود الثقيل بالسعر العالمي، على أن يبدأ السداد بالسلع والخدمات في الاول من أيلول 2022، أي بعد عام من وصول أول شحنة. و»قبل معرفة نجاح الآلية المشكوك بها من عدمه، أعاد العراق تجديد العقد لمرة جديدة»، تقول الخبيرة القانوية في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر. و»هو ما يطرح علامات استفهام جدية عن الدافع من وراء الصفقة، والتي من المرجح أن تكون سياسية أكثر بكثير مما هي تجارية واقتصادية، تصب في مصلحة العراق».

صعوبة الإيفاء بالتعهّدات

ستخضع الصفقة الجديدة لنفس شروط القديمة. حيث سيتراكم في حساب الحكومة العراقية المفتوح في مصرف لبنان مبلغ 465 مليون دولار ناتج عن الصفقة الاولى، وآخر بقيمة 562 مليون دولار ناتج عن الصفقة الثانية. ومن المفترض بالمركزي اللبناني أن يسدد للموردين المحليين ما تشتريه العراق من سلع وخدمات متفق عليها بالليرة اللبنانية على أساس سعر منصة صيرفة. بيد أن الفرق الكبير بين سعر صيرفة والسوق الموازية، الذي سيستمر في الارتفاع نتيجة غياب آلية توحيد سعر الصرف، سيدفع بالمؤسسات اللبنانية إلى رفض البيع بسعر أقل من سعر السوق لحساب «المركزي». الامر الذي سيؤدي عملياً إلى عدم تلقي العراق ما وعد به من خدمات وسلع في المستقبل القريب.

إذاً، إن نجاح الصفقة من عدمه مرهون بقدرة حصول الجانب العراقي على سلة منوعة من السلع والخدمات التي وعد بها. وهذا الشرط صعب التحقيق. فهو ببساطة يحد من قدرة السلطة السياسية ومصرف لبنان على المناورة باستغلال حاجة بعض الموردين المحليين، خصوصاً في المجال الزارعي، إلى تصريف انتاجهم ولو بسعر محروق يقل عن سعر السوق الحقيقي وبيعه للعراقيين.

الخدمات التعليمية والإستشفائية ليست بديلاً جدياً

أما في حال كانت نية العراق الذي ضم وفده إلى لبنان ممثلاً عن وزارة التربية، الاستفادة من خدمات التعليم، فان «النتيجة لن تكون أفضل حالاً»، بحسب أبي حيدر. فـ»المؤسسات الرسمية من مدارس ومعاهد وجامعة لبنانية تعاني من نقص الموارد وغارقة في الاضرابات. حيث لم تستطع مثلاً أغلبية كليات الجامعة الوطنية انهاء العام الدراسي الحالي. وفيما خص مؤسسات التعليم الجامعي المعترف بشهادتها في العراق فهي تتقاضى الفريش دولار، وليس من مصلحتها إجراء السواب مع مصرف لبنان على أساس سعر منصة صيرفة. ولا سيما مع ما يرشح من معلومات تفيد بتحليق سعر الصرف مع بدء عودة المغتربين الى بلدان انتشارهم وتعثر الحل السياسي. يبقى أمام العراق منفذ واحد قد يستفيد منه وهو الاستشفاء. حيث أن الدولار الاستشفائي يتراوح اليوم بين 20 و25 ألف ليرة، ولكن السؤال هل يصرف العراق 1 مليار دولار على الصحة في غضون عام؟!

المحافظة على الحد الأدنى

من الجانب اللبناني تبدو وزارة الطاقة «المستقتلة» على زيادة الانتاج، واقعة في منطقة رمادية. فقد أحاطت الوزارة ة زيارة الوفد الرسمي العراقي بتكتم شديد. لم تغتبط على عادتها بالزيارة، مصورة إياها إنجازاً ما بعده إنجاز. كما منعت الصحافيين من استصراح الوزير والوفد الزائر. حتى أن تلفزيون الدولة الرسمي الموزع الحصري للقاءات الرسمية لم يكن متواجداً على أرض «مملكة» الطاقة. ولولا «العيب والحياء» لما سمحت لمصوري الوسائل الاعلامية بالتقاط بعض الصور على عجل، مكتفية بترداد عبارة «نحن نوزع صوراً فوتوغرافية». فالعقد المجهول الشروط سيكون بمثابة «الكحل» بدلاً من «العمى» الشامل. وهو لن يتيح للطاقة زيادة التعرفة، المربوطة بالقدرة على رفع الانتاج. فـ»قياسا على نتائج الصفقة الاولى تتوقع الطاقة استمرار التقطع في وصول الشحنات، وعدم وصول الكمية المتفق عليها شهرياً المقدّرة بحدود 83 ألف طن دفعة واحدة، سواء كان ذلك لاسباب تقنية تتعلق بخصم كميات في عملية تبديل النفط الاسود الثقيل بالفيول والغاز أويل، أم بسبب ارتفاع السعر العالمي للبترول»، برأي أبي حيدر. فـ»لبنان لم يحصل من الصفقة الماضية على المليون طن التي وعد بها، إنما على كمية أقل وصلت بالتواتر. مما منع من تشغيل معملي الزهراني ودير عمار بكامل طاقتهما الانتاجية. حيث نادراً ما كان المعملان يعملان سوياً. الامر الذي أعجز الكهرباء عن رفع الانتاج لاكثر من ساعتين في النهار في اغلب الاحيان، وانهيار الشبكة أحيانا كثيرة نتيجة توقف الانتاج».

الغموض سيد الموقف

الاتفاق الجديد ما زال مبهماً. فمن غير المعروف كيف سيحقق العراق مصلحته، وإن كان لبنان سيحصل على كميات أقل في حال ارتفاع أسعار النفط عالمياً. تتساءل أبي حيدر. لكن في احسن الشروط قد نحافظ على نفس الحالة التي كانت قائمة خلال الاشهر الاثني عشر المنصرمة، من دون أن يشكل تمديد الصفقة حلاً منطقياً أو حتى مستداماً لأزمة الطاقة في لبنان. فانعدام القدرة على رفع التغذية، وضعف الجباية وتأخرها في بعض المناطق، وارتفاع معدلات الهدر على الشبكة، لن تؤمن زيادة الايرادات لمؤسسة كهرباء لبنان حتى لو جرى رفع التعرفة. فـ»الساعة أو الساعتان اللتان تأتي فيهما كهرباء الدولة لا يشغلان غسالة»، تقول أبي حيدر. و»عليه سيكون الاستهلاك قليلاً جداً ولن يفي بالغرض المطلوب». وبرأيها إن لم تتعد فترة التغذية الخمس ساعات متواصلة فلن نتمكن من تصحيح التعرفة لزيادة المداخيل».

مع تجديد صفقة النفط العراقي تبتعد صفقات وتقترب اخرى. فاستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية، طواهما الزمن نتيجة تعمّد ضرب الاصلاحات بعرض الحائط. وهذا ما برز بشكل واضح من خلال عدم وضع آلية تعيين الهيئة الناظمة للقطاع المدرجة في خطة الكهرباء، رغم مرور الاشهر الستة التي وعد الوزير بانجازها خلالها. في المقابل عادت صفقة استيراد النفط من الجزائر لتحجز مكاناً لها على طاولة المباحثات، فهل وقع الرهان على سوناطراك، وبأي ثمن؟ تسأل أبي حيدر. هل يكون اسقاط الدعاوى وطي الملف هما الثمن الذي سيدفعه لبنان من كيس الشفافية ودولة القانون والمؤسسات؟!

نداء الوطن

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت!

ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان: جدول جديد يظهر زيادة ملحوظة في أسعار البنزين والمازوت! شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *