فضيحة سد المسيلحة: استعجال مشبوه ونتائج التنفيذ تكشف النوايا

تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً أخباراً حول قرار قضائي بختم سد المسيلحة بالشمع الأحمر بعد تحوّله إلى منطقة مهجورة لفشله في حفظ المياه، وكانت ردود لمصادر في وزارة الطاقة تدرج الأخبار عن تحوّله إلى مزرعة دجاج في إطار حملة تحاول استغلال «أزمة» أدّت إلى «عرقلة» إنهاء السد، وتتحدث عن الحاجة إلى خمس سنوات لدخوله في الخدمة الفعلية، وتعد بأن إصلاح التسريبات سوف يؤدي إلى خفض كبير جداً في انخفاض مستوى المياه فيه؛ بالمقابل هناك خبراء يفيدون بأن وجود «بواليع» في منطقة السد دليل على أن الطبيعة اختارت تخصيصها للمياه الجوفية؛ ولجلاء خلفيات ما ينشر واستبيان الحقيقة لا بد من الرجوع إلى وقائع التلزيم التي بوشر بها ولم تنتهِ فصولها بعد اثني عشر عاماً.

خلال العام 2011، أجرت وزارة الطاقة والمياه مناقصة لتلزيم سد المسيلحة، ورسا التلزيم بقيمة تتجاوز 83 مليار ليرة، وعرضت النتائج على رقابة ديوان المحاسبة المسبقة بغاية التثبّت من صحة المعاملة وانطباقها على الموازنة وأحكام القوانين والأنظمة، وكانت لهذا الأخير ملاحظات حول مخالفات جوهرية عديدة تشوب الملف؛ ونظراً لأهميتها ودقّتها وخطورتها لم يتمكن الديوان من إصدار قراره بشأن التلزيم ضمن المهلة القانونية، فصرف وزير الطاقة في حينه النظر عن رأي الديوان، وطلب استرداد الملف. وقد استجاب ديوان المحاسبة لطلب الوزير وإنما بموجب كتاب رسمي صادر عن الغرفة المختصة بتاريخ 22/12/2011، وفيه ملاحظات عديدة:

لم تقف ملاحظات ديوان المحاسبة عند عدم تعطيل الطوابع على تعهد العارض الفائز وصدور الكفالة عن مصرف غير وارد على لائحة المصارف المعترف بها في لبنان وتوقيع العرض من قبل «شخص» دون ضم المستند الذي يوليه صلاحية التوقيع عن الشركة العارضة؛ وإنما تلتها ملاحظات جوهرية مالية وتقنية، بدأت بالمقارنة مع تلزيم سد بقعاتا، حيث تبيّن للديوان أنه تمّت الاستعاضة عن ذكر أسماء الشركات العالمية التي سوف يتعاون معها العارض بكتاب تعهد بسيط منه بالتعاون مع شركات عالمية؛ وأنه تم تخفيض عدد سنين الخبرة من عشرين سنة في سد بقعاتا إلى ١٥ سنة في سد المسيلحة الذي لا يقلّ تنفيذه صعوبة عن تنفيذ سد بقعاتا؛ واقتصار مدة ضمان الأشغال على سنة واحدةً لا تتناسب مع طبيعة المشروع وإنما هي تعتمد في مشاريع البنى التحتية من طرق وشبكات المياه التي يتم تشغيلها أو استعمالها فور الاستلام المؤقت، فيما السدود تمثل نوعاً خاصاً من البنى التحتية تحتاج لفترة ما بين ٣ إلى خمس سنوات وان تشغيل السدود لا يتم إلّا بعد انقضاء سنتين على الأقل للتحقق من عدم وجود عيوب، بحيث لا يكفي موسم ماطر واحد لذلك؛ أما المخالفات المالية فقد شملت وقوع لجنة التلزيم في خطأ بجسيم عدم احتسابها الضريبة على القيمة المضافة؛ وأنه لو لم يقع لأدّى إلى تغيير النتيجة وربح المناقصة من قبل عارض آخر؛ ووجود فروقات هامة بين الأسعار الإفرادية للعارضين كان على الإدارة التوقف عندها والتنبّه لها؛ وعدم تطابق جداول تحليل الأسعار مع أسعار الكشف التخميني مما أفقد جدول التحليل قيمته والجدوى منه؛ بحيث لو انه تم احترام جدول تحليل الأسعار لتدنّت قيمة التلزيم بمبلغ مهم نسبياً؛

وباعتبار أن الخطأ الذي ارتكبته لجنة التلزيم عند إعادة التدقيق بالأسعار هو جوهري، إذ يؤدي تصحيحه إلى تغيير نتيجة التلزيم وكذلك قيمة الصفقة؛ فقد أوصى ديوان المحاسبة الإدارة بإعادة المناقصة مجدداً واعتبر ان لجنة التلزيم هي المسؤولة عن الثغرات التي اعترت إجراءات المناقصة ونتائجها.

أما في الشق الفني فكانت لديوان المحاسبة ملاحظتان: الأولى تتعلق بالحل المعتمد في بناء النواة العازلة للمياه المكوّنة من تربة دلغانية رملية يجب أن يتم استخراجها من أرض البحيرة ورصّها في قالب السد وإكسائها بطبقات من الردميات الصخرية والمواد العازلة، واعتبر ان هذا الحل يعتمد لأول مرة في لبنان، وان المعتمد سابقا هو بناء سد ركامي من الصخور مكسي ببلاطة من الباطون المسلّح لعزل المياه في البحيرة، بينما حل النواة الترابية العازلة في سد المسيلحة يفترض وجود كميات كافية من المواد الدلغانية الرملية في موقع البحيرة ولنوعية جيدة، وأن نجاح الحل المعتمد كان يقتضي تنفيذ النواة العازلة بمستوى عالٍ من التقنية وبالمواصفات المطلوبة؛ أما الملاحظة الثانية فتتعلق بان الحل المعتمد والمشار إليه في توصيف أشغال سد المسيلحة، لمنع تسرّب المياه ببناء نواة من الأتربة تحت قاعدة السد، يستند إلى بناء جدار قاطع يحفر بعرض ١,٢ متراً وعمق ٦٠ متراً وطول ٢٠٠ متر، لم يسبق تنفيذه في لبنان بهذا العمق من قبل شركات محلية، ولا بدّ من قيام شركات عالمية ذات خبرة بالسدود بتنفيذه، لا سيما وان نجاعة السد الفنية معلّقة عليه؛

وقد لفت الديوان إلى عدم لحظ جدول الكمية أعمالاً تجميلية أو بيئية تتناسب مع ما درجت عليه المشاريع المشابهة عالمياً، لا سيما وأن السد يقع في منطقة ذات جمال طبيعي وقيمة تراثية تاريخية بالقرب من قلعة المسيلحة.
انطلاقاً من هذه الملاحظات الجوهرية والهامة انتهى كتاب رئيس الغرفة المختصة في ديوان المحاسبة إلى اعتبار لجنة التلزيم التي درست العرض مسؤولة عن فشل التلزيم الحاضر وما يستتبع ذلك مستقبلاً من نتائج سلبية على الصعيدين المالي والمرفقي والتأخير في بدء تنفيذ الأشغال.

برغم خطورة وأهمية هذه ملاحظات ديوان المحاسبة هذه أصرّ وزير الطاقة على السير بالتلزيم فابلغ المتعهد تصديق الالتزام بتوقيعه دون تأشير المدير العام المختص وخلافاً لرأيه، لا سيما بوجود ملاحظة حول خلل في النتيجة، لأن ترسية التلزيم لم يكن ينبغي أن تكون للمقاول الحالي بل لمقاول آخر، جاء في المركز الثاني؛
وفي معرض البحث عن مبررات استعجال الوزير باسترداد الملف من ديوان المحاسبة والسير بالتلزيم المثخن بالمخالفات دون بحث سبل تصحيح الوضع وإنقاذ المشروع، فقد تبين أن تبليغ تصديق الالتزام قد تأخّر حتى 7/1/2013، أي بعد أكثر من سنة على تاريخ استرداد الملف، وكذلك تأخّر صدور أمر المباشرة بالعمل حتى 15/4/2013، دون تسليم مواقع العمل للمتعهد، الذي كرّر طلبه بشأن تسليمه هذه المواقع، وكان ذلك بتاريخ 2/1/2014، أي بعد سنتين من صرف الوزير نظره عن رأي الديوان، أي نصف مدة تنفيذ المشروع المحددة بثمانية وأربعين شهراً.

دون الدخول بحيثيات وتفاصيل موقف وزير المالية الذي أبلغ وزير الطاقة بتعذّر موافقته على التأشير على التلزيم ولفته إلى إمكانية العودة إلى ديوان المحاسبة لطلب إعادة النظر في ملاحظات رئيس الغرفة المقرّر؛ ناهيك عن موقف مراقب عقد النفقات في وزارة الطاقة، وكذلك إشارة رئيس دائرة المحاسبة إلى المسؤولية التي يمكن أن تترتب على الإدارة في حال السير بالملف الذي يبقى خاضعاً لرقابة ديوان المحاسبة المؤخّرة، ولفته نظر الوزير الذي لم تثنه كل هذه الوقائع عن إصراره في كتاب له إلى وزير المالية بتاريخ 7/11/2012، على اعتبار «أن مقتضيات المصلحة العامة تقضي بضرورة السير بتنفيذ هذا المشروع الحيوي نظراً لجدواه على الصعد كافة، ولأهميته الاقتصادية والإنمائية، ولتوفر الاعتمادات له، وأيضاً لملاءمة أسعار التلزيم ، وخشية أن ينتج عن التأخير في تصديق الصفقة تراجع وتملص الملتزم من تعهده بالتنفيذ وفق السعر الذي أُقرّ، مما سيكبّد المال العام خسائر مالية نحن بغنى عنها…».

بعد التذكير بتقاطع تلزيم سد المسيلحة مع ملف تلزيم معمل دير عمار في قضية عدم احتساب الضريبة على القيمة المضافة خلافاً لدفتر الشروط، التي أدّت إلى دعوى تحكيم انتهت بربح الدولة اللبنانية للقضية، خلافاً لمواقف ومزاعم المناصرين لنهج وزارة الطاقة، وعلى أمل أن يأتي يوم تتشكّل فيه لجنة تحقيق برلمانية حول نتائج تنفيذ مختلف خطط وزارة الطاقة والمياه وتلزيماتها، ولا بد من التساؤل اليوم حول ما إذا كانت حزمة هذه الوقائع تشكّل شبهة حول خلفيات استعجال وزير الطاقة وإصراره على السير بمشروع سد المسيلحة، كما في غيره، وهل أن في نتائج التنفيذ دليل على سوء إدارة وزارة الطاقة طيلة هذه السنوات وفشل النهج السائد فيها، ناهيك عن النوايا؟!
* مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه

خبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق

المصدر: غسان بيضون – اللواء

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية،سعر صرف الدولار في لبنان, Dollar exchange rate in Lebanon, سعر الدولار اليوم في لبنان, Today's dollar rate in Lebanon, أسعار الدولار في السوق السوداء, Black market dollar rate in Lebanon, سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء, Today's black market dollar exchange rate in Lebanon, سعر الدولار الرسمي في لبنان, Official dollar rate in Lebanon, توقعات سعر الدولار في لبنان, Dollar price forecast in Lebanon, سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية, Dollar to Lebanese pound exchange rate, أسعار الدولار في لبنان لحظة بلحظة, Dollar rates in Lebanon live updates, سعر الدولار المصرفي في لبنان, Bank dollar rate in Lebanon, الدولار مقابل الليرة اللبنانية السوق السوداء, Dollar to Lebanese pound black market rate, سعر الدولار الآن في لبنان, Current dollar rate in Lebanon, تحويل الدولار إلى الليرة اللبنانية, Convert dollar to Lebanese pound, تأثير سعر الدولار على الاقتصاد اللبناني, Impact of dollar rate on the Lebanese economy, سعر الدولار في الصرافين, Dollar rate at money exchangers in Lebanon, استقرار سعر الدولار في لبنان, Stability of dollar rate in Lebanon, ارتفاع سعر الدولار في لبنان, Dollar rate hike in Lebanon, سعر صرف الدولار لحظة بلحظة, Live dollar exchange rate in Lebanon, تغيير سعر صرف الدولار في لبنان, Dollar exchange rate fluctuations in Lebanon, الدولار الجمركي في لبنان, Custom dollar rate in Lebanon, السوق الموازية لسعر الدولار في لبنان, Parallel market dollar rate in Lebanon, سعر الدولار المصرفي الرسمي, Official bank dollar rate in Lebanon, شراء الدولار في لبنان, Buying dollar in Lebanon, بيع الدولار في لبنان, Selling dollar in Lebanon, تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار, Convert Lebanese pound to dollar, سعر الدولار على منصة صيرفة, Dollar rate on Sayrafa platform, توقعات السوق السوداء للدولار في لبنان, Black market dollar forecast in Lebanon, أفضل سعر للدولار في لبنان, Best dollar rate in Lebanon, أخبار سعر الدولار في لبنان, Dollar rate news in Lebanon, سعر صرف الدولار اليوم في البنوك اللبنانية, Today's dollar exchange rate in Lebanese banks, سعر الدولار مقابل اليورو في لبنان, Dollar to euro rate in Lebanon

تحديث سعر صرف الدولار اليوم

سعر صرف الدولار الآن اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للدولار في السوق السوداء لمتابعة التحديث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *