شهد قطاع الخدمات المالية في العقد الأخير تحوّلًا جذريًا بفضل الابتكارات التكنولوجية التي غزت الأسواق العالمية. إذ ظهرت شركات تكنولوجيا مالية جديدة توفر منصات رقمية متقدمة في مجالات الدفع والإقراض، مما أدى إلى ظهور أصول رقمية والعملات المستقرة بشكل قوي. هذا التحول التكنولوجي يضع التحدّي أمام المؤسسات المالية التقليدية، مثل البنوك وشركات التأمين ومديري الأصول.
الابتكار الرقمي في النظام المالي: منافسة أم تكامل؟
الابتكارات الرقمية في القطاع المالي يمكن أن تكون مكملًا للنظام المالي التقليدي أو بديلًا له. في البداية، قد تبدو هذه الابتكارات كبدائل جذرية لبعض الخدمات، إلا أنها على المدى المتوسط قد تصبح جزءًا أساسيًا من النظام المالي، مما يزيد من تنوعه ويعزز المنافسة بين الأطراف المختلفة. ولكن من المهم ملاحظة أن الابتكار قد يسبب بعض التحديات التي تحتاج إلى سياسات عامة مدروسة لتنظيمه بشكل صحيح.
التحوّل في أنظمة الدفع
يعد الدفع هو نقطة الوصول الرئيسية إلى الخدمات المالية، إذ يُعتبر الحساب المصرفي ضروريًا للأفراد للحصول على خدمات الائتمان أو شراء التأمينات أو الادخار والاستثمار. أما بالنسبة لشركات التكنولوجيا المالية، فغالبًا ما تبدأ بتقديم خدمات الدفع قبل التوسع في مجالات أخرى.
شهد العقد الماضي تطورًا كبيرًا في أنظمة الدفع، خاصة في الأسواق الناشئة، حيث بات بإمكان المستخدمين تحويل الأموال بشكل فوري باستخدام الأنظمة الرقمية الحديثة. تساهم هذه الأنظمة في تقديم حلول دفع سريعة ومنخفضة التكلفة على مدار الساعة عبر الهواتف الذكية، بما في ذلك استخدام أكواد QR حتى على الهواتف ذات التقنية المحدودة.
من أبرز قصص النجاح في هذا المجال هو نظام الدفع السريع “بيكس” في البرازيل، الذي أطلقه البنك المركزي في 2020، حيث أصبح أكثر من 90% من البرازيليين يعتمدون عليه في معاملاتهم اليومية. وكذلك، يعتبر نظام “UPI” في الهند مثالًا آخر على كيفية تعزيز الخدمات المالية من خلال الأنظمة المدعومة من البنوك المركزية.
نظام الائتمان: فرص التمويل الجديد
التحوّل في أنظمة الدفع ترافقه حاجة متزايدة إلى الائتمان. فالشركات بحاجة إلى تمويل استثماراتها الإنتاجية، بينما يحتاج الأفراد إلى القروض لشراء المنازل أو السيارات أو تغطية النفقات الأخرى. في هذا السياق، ساعدت منصات التمويل الجماعي وغيرها من منصات الائتمان في تقليص فجوات التمويل، وتقديم حلول تمويلية جديدة تسهم في تعزيز الشمول المالي.
في الأرجنتين، على سبيل المثال، قدّمت شركة Mercado Pago تمويلًا للتجار الصغار الذين لم تكن البنوك تقدم لهم الدعم. كما أن شركات مثل أمازون في الولايات المتحدة وعلي بابا في الصين قد ساهمت بشكل كبير في تقديم التمويل التجاري، مما أثّر إيجابيًا في تطوير السوق.
العملات الرقمية والتمويل اللامركزي: مستقبل النظام المالي؟
تتنافس شركات التكنولوجيا الكبرى مع المؤسسات المالية التقليدية في تقديم حلول مالية جديدة، بينما تسعى العملات الرقمية والتمويل اللامركزي إلى إعادة تشكيل النظام المالي بشكل جذري. رغم أن العملات الرقمية وعدت بتغيير كبير في النظام المالي، إلا أن تقلباتها الشديدة تجعلها ذات استخدام محدود.
في هذا السياق، ظهرت العملات المستقرة كبديل، حيث تربط قيمتها بالعملات التقليدية مثل الدولار الأمريكي. إلا أن هذه العملات، رغم أنها توفر استقرارًا أكبر، ما زالت تعاني من بعض المخاطر مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
توجيه الابتكار: من السياسات العامة إلى التطبيق الفعّال
على الرغم من التحديات التي يواجهها الابتكار الرقمي، إلا أن السياسات العامة المدروسة تساهم بشكل كبير في تحقيق أقصى استفادة من هذه الابتكارات. في العديد من البلدان، مثل الهند والبرازيل، أدت السياسات الحكومية إلى تسريع اعتماد أنظمة الدفع السريع، مما ساهم في إدخال مئات الملايين من الأفراد في النظام المالي العالمي.
ولكن، لا يزال هناك خطر من انتقال الصدمات من الأسواق الرقمية إلى النظام المالي التقليدي، مما قد يشكل تهديدًا للاستقرار المالي. من هنا، فإن التنسيق بين القطاعين العام والخاص أصبح أمرًا بالغ الأهمية لضمان أن الابتكارات الرقمية تستفيد منها الشركات والأفراد على حد سواء.
التعاون بين القطاعين العام والخاص: تطبيقات مبتكرة نحو الازدهار
من الأمثلة الحديثة على هذا التعاون مشروع “أغورا” الذي يجمع بين البنوك المركزية والبنوك التجارية لاستكشاف نظام بيانات موحّد يستخدم تقنية التشفير في عمليات الدفع عبر الحدود. هذا التعاون يعزز من فعالية الابتكار ويسهم في استقرار النظام المالي العالمي.
المصدر: نداء الوطن
سكوبات عالمية إقتصادية – EconomyScopes إجعل موقعنا خيارك ومصدرك الأنسب للأخبار الإقتصادية المحلية والعربية والعالمية على أنواعها بالإضافة الى نشر مجموعة لا بأس بها من فرص العمل في لبنان والشرق الأوسط والعالم