“شرق أوسط جديد من دون نفط: كيف يتعامل لبنان مع التحولات الطاقوية الكبرى؟”

يشهد العالم تحوّلاً جذريًا في معادلة الطاقة، حيث كانت أسعار النفط وتحركات السوق الجيوسياسية هي المحرك الرئيسي للاقتصادات العالمية لعقود طويلة. ومع تطور الاتجاهات نحو الطاقة البديلة والتكنولوجيا النظيفة، دخل الشرق الأوسط في مرحلة جديدة، حيث تسعى العديد من دوله إلى التحوّل إلى اقتصاد ما بعد النفط. هذا التغيير الكبير يؤثر على منطقة كانت تعرف بأنها “خزان العالم النفطي”، ويضع دولها أمام تحديات جديدة تتطلب إعادة تشكيل استراتيجياتها الطاقوية.

التحوّل في معادلة الطاقة في الشرق الأوسط:
منذ بداية الحرب الروسية-الأوكرانية، بدأ النفط يفقد جزءًا من قوته كأداة استراتيجية، خاصة مع الارتفاع الحاد في الأسعار، ثم تراجعها لاحقًا. أدركت الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات وقطر أن الاعتماد الكبير على العائدات النفطية أصبح يشكل خطرًا على اقتصادها، خاصة في ظل التحولات العالمية نحو الطاقة البديلة مثل الهيدروجين الأخضر والمركبات الكهربائية. لذلك، بدأت هذه الدول في الاستثمار في مشاريع ضخمة مثل “نيوم” و”مصدر” و”كهرمان”، التي تعكس التوجه نحو التحوّل إلى قوى طاقة متجددة.

الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية:
الهيدروجين الأخضر أصبح من الرهانات الكبرى في الشرق الأوسط، حيث تتسابق الدول المنتجة للطاقة على توقيع اتفاقيات لتصديره إلى أسواق أوروبا وآسيا. السعودية أعلنت عن مشروع ضخم في نيوم لإنتاج الهيدروجين بقدرة تفوق 4 غيغاواط، بينما تستثمر الإمارات والمغرب ومصر في مشاريع مشابهة. كما تحولت الطاقة الشمسية من “ترف بيئي” إلى محور اقتصادي استراتيجي، حيث تمتلك بعض الدول القدرة على توليد الكهرباء بتكلفة منخفضة جدًا.

لبنان والفرصة المفقودة:
رغم هذه التحولات الكبيرة في المنطقة، يبقى لبنان على الهامش. على الرغم من امتلاكه أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن غياب السياسات الطاقوية المستقرة وعدم وجود حوافز للمستثمرين جعلت مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تتطور ببطء. ومع انهيار مؤسسة كهرباء لبنان، قد تكون هذه الأزمة فرصة للبنان لإعادة التفكير في نموذج الطاقة بالكامل، والانتقال إلى الطاقة اللامركزية من خلال الشركات الصغيرة والمبادرات المجتمعية، مما قد يمهد الطريق لاستقلال طاقوي محلي.

الاقتصاد الأخضر وفتح آفاق جديدة:
الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يفتح آفاقًا جديدة للعديد من القطاعات مثل الصناعات التكنولوجية، الزراعة الذكية، والنقل الكهربائي. هذا ما دفع بعض الدول العربية إلى إنشاء صناديق استثمارية خضراء وتبني تشريعات جديدة لتشجيع الاستثمارات في الاقتصاد منخفض الكربون. الخبراء يتوقعون أن يكون هناك تنافس جديد في الشرق الأوسط ليس على النفط، بل على من يمتلك أفضل بنية تحتية للطاقة النظيفة.

مستقبل الطاقة في الشرق الأوسط:
التحوّل الذي يشهده الشرق الأوسط ليس مجرد تحول عابر. في المستقبل، ستصبح الكهرباء والبيانات والمياه هي مصادر القوة الجديدة، وستكون دول المنطقة أمام مفترق طرق. إما أن تنجح في تحويل ثرواتها الطبيعية إلى استدامة طويلة الأمد، أو أن تظل حبيسة دورها التقليدي كمورد خام في عالم سريع التغير.

لبنان في هذا التحوّل:
لبنان لديه فرصة حقيقية لأن يصبح جزءًا من هذا التحوّل الطاقوي، إذا قرر استغلال إمكانياته الطبيعية ووضع رؤية جديدة للطاقة تكون محركًا للنهوض الاقتصادي والاجتماعي. يحتاج لبنان إلى تجاوز أزمة الكهرباء واستعادة التوازن في قطاع الطاقة، وأن يصبح جزءًا من اقتصاد الطاقة النظيفة بدلًا من البقاء متفرجًا في هذا التحوّل الكبير.


المصدر: جاد حكيم – لبنان 24

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أمن الدولة يلقي القبض على محتال أوهم مواطنين بقروض ميسّرة وشراء عملات رقمية

أمن الدولة يلقي القبض على محتال أوهم مواطنين بـ “قروض ميسّرة” وشراء عملات رقمية

مقدمة: الجهود الأمنية لمكافحة جرائم النصب والاحتيال في سياق جهودها المستمرة لملاحقة مرتكبي جرائم النصب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *